‪Google+‬‏

الحب والتسامح



العالم صار قرية واحدة وبالتاوصل بين الشعوب يجب أن يسود الحب والتسامح

بين جميع الأديان لا جشع لا كراهية ولا أنانية ونداء من القلب ليكون ذلك بيننا



ولكن النظام الأسدي لم يفهم ذلك يقتل الشعب كل يوم بدون رحمة إلى الله المشتكى



قصص وعبر



قصة وعبرة
اعمل بصدق واخلاص ولاتتياس ابدا
البذور في صباح يوم ربيعي مشمس قرر رجل الاعمال ورئيس الشركة التنحي واعطاء الفرصة للدماء الجديدة ان تتحمل المسؤولية .فطلب اجتماع من المسؤولين التنفيذيين الشباب في الشركة واخبرهم بقراره :لقد حان الوقت بالنسبة لي للتنحي واختيار الرئيس التنفيذي القادم من بينكم. فذهل الجميع من القرار حيث لم يعيين احدا من اولاده او احفاده لهذه المسؤولية .فقال لهم جميعكم ستخضعون لاختبار البذرة فمن نجح بها سيتولى المنصب !!.والاختبار سيكون التالي:
سيتم توزيع البذور النباتية التالية التي أتيت بها خصيصا من حديقتي الخاصة وسيستلم كل واحد منكم بذرة واحدة فقط يجب عليكم أن تحرثوا الارض وتدعوها في الارض وتعتنوا بها عناية كاملة طوال العام ومن يأتيني بنبته صحية تفوق ما لدى الآخرين سيكون هو الشخص المستحق لهذا المنصب الهام . كان بين الحضور شاب يدعي المستمر جيم وشأنه شأن الآخرين استلم بذرته وعاد إلى منزله واخبر زوجته بالقصة أسرعت الزوجة بتحضير الوعاء والتربة الملائمة والسماد وتم وضع البذرة في الوعاء وكانا كل يوم لا ينفكان عن متابعة البذرة والاعتناء بها جيدا, وبعد مرور ثلاثة أسابيع بدأ الجميع في الحديث عن بذرته التي نمت وترعرعت ما عدا المستمر جيم الذي لم تنمو بذرته رغم كل الجهود التي بذلها مرت أربعة أسابيع ، ومرت خمسة أسابيع ولا شيء بالنسبة الى المستمر جيم ومرت ستة أشهر – والجميع يتحدثون عن المدى التي وصلت إليه بذرته من النمو وبقي المستمر جيم صامت لا يتحدث.
وأخيرا جاء موعد اللقاء والمستر جيم حائر ماذا يعمل وقد بلغ به اليأس وقد اقترب الموعد. فقال المستمر جيم لزوجته بأنه لن يذهب الى الاجتماع بوعاء فارغ ,فقالت له زوجته إذهب واخبر رئيسك بما جرى وبكل صدق ,اطمئنان وهو بعد ذلك سيقرر .كانت تلك الحظة أكثر اللحظات الحرجة التي سيواجهها في حياته وأخيرا اتخذ قراره بالذهاب بوعائه الفارغ رغم كل شيء وعند وصوله انبهر من أشكال وأحجام النباتات التي كانت على طاولة الاجتماع في القاعة كانت في غاية الجمال والروعة .تسلل بهدوء ووضع وعائه الفارغ على الأرض وهو يشعر بالخجل والياس وبقى واقفا منتظرا مجيء الرئيس مع جميع الحاضرين فكتم زملائه ضحكاتهم والبعض أبدى أسفه من الموقف المحرج لزميلهم. وأخيرا اطل الرئيس ودخل الغرفة مبتسما وهو ينظر الى الاشجار والزهور التي نمت وترعرعت وأخذت أشكال رائعة ولم تفارق البسمة شفتيه وفي الوقت الذي بدأ الرئيس في الكلام مشيدا بما رآه مهنئا الجميع على هذا النجاح الباهر الذي حققوه. توارى المستمر جيم في آخر القاعة وراء زملائه المبتهجين الفرحين فقال الرئيس يا لها من زهور ونباتات جميلة ورائعة اليوم وسيتم تكريم أحدكم وسيصبح الرئيس التنفيذي القادم. وفي هذه اللحظة لاحظ الرئيس المستر جيم ووعائه الفارغ فأمر المدير المالي أن يستدعي المستر جيم إلى المقدمة هنا شعر المستمر جيم بالرعب وقال في نفسه بالتأكيد سيتم طردي اليوم لاني الفاشل الوحيد في القاعة ,فعند وصول المستمر جيم سأله الرئيس ماذا حدث للبذرة التي أعطيتك إياها قص له ما حدث له بكل صراحة وكيف فشل رغم كل المحاولات الحثيثة كان الجميع في هذه اللحظة قائما ينظر ما الذي سيحصل فطلب منهم الرئيس الجلوس ما عدا المستمر جيم ووجه حديثه إليهم قائلا ر حبوا بالرئيس التنفيذي المقبل المستمر جيم جرت همسات وهمهمات واحتجاجات في القاعة كيف يمكن أن يكون هذا ؟؟!!! وتابع الرئيس قائلا في العام الماضي كنا هنا معا وأعطيتكم بذورا لزراعتها وإعادتها إلى هنا اليوم ولكن ما كنتم تجهلونه هو أن البذور التي أعطيتكم إياها كانت بذور فاسدة ولم تكن بالإمكان لها أن تنمو إطلاقا جميعكم أتيتم بنباتات رائعة وجميلة جميعكم استبدل البذرة التي أعطيتها له اليس كذلك ؟ . المستمر جيم كان الوحيد الصادق والأمين والذي أعاد نفس البذرة التي أعطيته إياها قبل عام مضى وقد سعى لذلك بقوة , وبناء عليه تم اختياره كرئيس تنفيذي لشركتي
ايها الاحبة
إذا زرعت الأمانة فستحصد الثقة
إذا زرعت الطيبة فستحصد الأصدقاء
إذا زرعت التواضع فستحصد الاحترام
إذا زرعت المثابرة فستحصد الرضا
إذا زرعت التقدير فستحصد الاعتبار
إذا زرعت الاجتهاد فستحصد النجاح
إذا زرعت الإيمان فستحصد الطمأنينة
لذا كن حذرا اليوم مما تزرع لتحصد غدا وعلى قدر عطائك في الحياة تأتيك ثمارها ولاتتياس من النتيجة مادمت كان سعييك صحيحا ولم تييأس من نتائج عملك لان الصدق والمثابرة الصحيحة والاخلاص سيؤدي بك الى النتائج الصحيحة.

قصص الذكاء

القصة الاولى:
مواطن بلجيكي دأب طوال 20عاماً على عبور الحدود نحو ألمانيا بشكل يومي على دراجته الهوائية حاملا على ظهره حقيبة مملوءة بالتراب، وكان رجال الحدود الألمان على يقين انه "يهرب" شيئاً ما ولكنهم في كل مرة لا يجدون معه غير التراب (!).
السر الحقيقي لم يكشف إلا بعد وفاة السيد ديستان حين وجدت في مذكراته الجملة التالية: "حتى زوجتي لم تعلم انني بنيت ثروتي على تهريب الدراجات إلى ألمانيا"!!.
أما عنصر الذكاء هنا فهو (ذر الرماد في العيون وتحويل أنظار الناس عن هدفك الحقيقي!).
القصة الثانية:
أيضاً، جاء عن حذيفة بن اليمان انه قال: دعاني رسول الله ونحن في غزوة الخندق فقال لي: اذهب الى معسكر قريش فانظر ماذا يفعلون، فذهبت فدخلت في القوم (والريح من شدتها لا تجعل احداً يعرف احدا) فقال ابو سفيان: يا معشر قريش لينظر كل امرئ من يجالس (خوفا من الدخلاء والجواسيس) فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي بجانبي وقلت: من أنت يا رجل؟ فقال مرتبكا: أنا فلان بن فلان!.
وعنصر الذكاء هنا.. (أخذ زمام المبادرة والتصرف بثقة تبعد الشك؟).
القصة الثالثه:
أما أبو حنيفة فتحدث يوما فقال: احتجت إلى الماء بالبادية فمر اعرابي ومعه قربة ماء فأبى إلا أن يبيعني اياها بخمسة دراهم فدفعت إليه الدراهم ولم يكن معي غيرها.. وبعد أن ارتويت قلت: يا أعرابي هل لك في السويق، قال: هات.. فأعطيته سويقا جافا اكل منه حتى عطش ثم قال: ناولني شربة ماء؟ قلت: القدح بخمسة دراهم، فاسترددت مالي واحتفظت بالقربة!!.
.. وعنصر الذكاء هنا (إضمار النية وخلق ظروف الفوز)!!
القصة الرابعة
وأخيراً هناك حركة ذكية بالفعل قام بها أحد النبلاء الفرنسيين.. فذات يوم عاد لقصره قلقاً متجهم الوجه فسألته زوجته عن السبب فقال: أخبرني الماركيز كاجيلسترو (وكان معروفا بممارسة السحر والعرافة) انك تخونينني مع أقرب أصدقائي فصفعته بلا شعور.. فقالت الزوجة بهدوء: وهل أفهم من هذا أنك لم تصدق ادعاءه!؟ فقال: بالطبع لم أصدق كلامه، إلا أنه هددني بقوله "إن كان كلامي صحيحا ستستيقظ غدا وقد تحولتَ إلى قطة سوداء"!.. وفي صباح اليوم التالي استيقظت الزوجة فوجدت بجانبها قطة نائمة فصرخت من الرعب والفزع ثم عادت وركعت أمامها تعتذر وتطلب منها الصفح والغفران.. وفي تلك اللحظة بالذات خرج الزوج من خلف الستارة وبيده سيف مسلط!.
وعنصر الذكاء هنا هو (استغلال خرافات الآخرين والاتجاه بتفكيرهم لنهاية تخدم مصلحتك)!!.
القصة الخامسة:
عندما كادت هيئة المحكمة أن تنطق بحكم الاعدام على قاتل زوجته والتى لم يتم العثور على جثتها رغم توافر كل الادلة التى تدين الزوج - .. وقف محامى الدفاع يتعلق بأى قشة لينقذ موكله ... ثم قال للقاضى
"ليصدر حكماً باعدام على قاتل ... لابد من أن تتوافر لهيئة المحكمة يقين لا يقبل الشك بأن المتهم قد قتل الضحية ..
و الآن .. سيدخل من باب المحكمة ... دليل قوى على براءة موكلى و على أن زوجته حية ترزق !!...
و فتح باب المحكمة و اتجهت أنظار كل من فى القاعة الى الباب ...
و بعد لحظات من الصمت و الترقب ...
لم يدخل أحد من الباب ...
و هنا قال المحامى ...
الكل كان ينتظر دخول القتيلة !! و هذا يؤكد أنه ليس لديكم قناعة مائة بالمائة بأن موكلى قتل زوجته !!!
و هنا هاجت القاعة اعجاباً بذكاء المحامى ..
و تداول القضاة الموقف ...
و جاء الحكم المفاجأة ....
حكم بالإعدام
لتوافر يقين لا يقبل الشك بأن الرجل قتل زوجته !!!
و بعد الحكم تساءل الناس كيف يصدر مثل هذا الحكم ...
فرد القاضى ببساطة...
عندما أوحى المحامى لنا جميعاً بأن الزوجة لم تقتل و مازالت حية ... توجهت أنظارنا جميعاً الى الباب منتظرين دخولها
الا شخصاً واحداً فى القاعة !!!
انه الزوج المتهم !!
لأنه يعلم جيداً أن زوجته قتلت ...
و أن الموتى لا يسيرون

قصة لشايب يودع 500 يوميا في البنك لمدة شهرين
استغرب موظف البنك من قدوم هذا الرجل الكبير يوميا للبنك منذ شهرين ليودع 500 ريال يوميا
فذهب الموظف لمدير الفرع فأخبره عن قصة هذا الشايب
فقال المدير لعله يفتكر ان الايداع مثل السحب من الصراف وان الحد الأعلى للإيداع هو 500 كما هو في السحب اليومي
فقال المدير للموظف اذا جاك بكره خله يمر علىّ ..
جاء الشايب على موعده اليومي
وقال له الموظف مر على المدير
فقال الشايب : خير - ومر على المدير..
المدير: ما قصة ال 500 ريال اليومية ؟
لو كان عندك مبلغ كبير تقدر تودعه مرة واحدة ..
الشايب: ماعندي مبلغ كبير وهاذي الخمسة اكسبها يوميا.
المدير: عندك محلات يعني ؟
الشايب: لا.. بل اني أراهن يوميا من 500 و أكسب الرهان.
المدير: كيف ؟
الشايب : طيب انت تراهني ألحين من 500 اني أبوس عيني ؟
المدير: أراهنك
فإذا بعينه تركيب أخرجها وباسها فكسب 500 من المدير الذي استشاط غيظا
الشايب: تراهني مرة ثانية اني اعض أذني ؟
طمر المدير على اذني الشايب يشوف هي تركيب أو لا .. لقى أذنه صج ماهي تركيب
المدير: أراهنك
طلع الشايب طقم الأسنان وعض أذنه ..
المهم أخذ من المدير 1000 وراح الشايب..
وفي اليوم التالي راح المدير للموظف وقال له اذا جاك الشايب خله يمر عليّ..
جاء الشايب ... وقال له الموظف مر على المدير يبيك ..
دخل الشايب على المدير
المدير: ياخي حرام عليك ... أنت ضحكت علي أمس وأخذت فلوسي بدون وجه حق
الشايب: طيب تراهني ؟
واذا فزت أنت أعطيك فلوسك وفوقها 500
واذا فزت أنا مابي منك شي
فكر المدير
ووجد العرض مغري
في الحالتين مو خسران ...
المدير: موافق
الشايب: تراهني إن سروالك الداخلي أزرق ؟
المدير: فزت عليك سروالي أبيض
الشايب: خلني اشوفه
المدير فصخ ملابسه -
وقال: شوفه أبيض ... عطني الفلوس
ضحك الشايب -
قال المدير: وش اللي يضحك ؟
الشايب : أنا أصلا مراهن كل موظفين البنك على اني افصخك سروالك بـخمسين ألف

قصة الملكين هاروت وماروت

موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة البقرة قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102].
القصة:
أن اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة والشعوذة التي كانت تُقْرَأ في زمن ملك سليمان عليه السلام. وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمان سليمان عليه السلام، حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا علم سليمان عليه السلام، وما تمَّ لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح، فأنزل الله هذين الملكين هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلاءً من الله وللتمييز بين السحر والمعجزة وظهور الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة.
وما يُعلِّم هاروت وماروت من أحدٍ حتى ينصحاه، ويقولا له إنما نحن ابتلاء من الله، فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر، ومن تعلَّم وتوقَّى عمله ثبت على الإيمان.
فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلافبين الزوجين، ولكن لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى، لأن السحر من الأسباب التي لا تؤثر بنفسها بل بأمره تعالى ومشيئته وخلقه.
فيتعلم الناس الذي يضرهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم لمضرة الأشخاص.
ولقد علم اليهود أن من استبدل الذي تتلوه الشياطين من كتاب الله ليس له نصيب من الجنة في الآخرة، فبئس هذا العمل الذي فعلوه.
والخلاصة: أن الله تعالى إنما أنزلهما ليحصل بسبب إرشادهما الفرق بين الحق الذي جاء به سليمان وأتم له الله به ملكه، وبين الباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر، ليفرق بين المعجزة والسحر.
وإن ورد غير ذلك في شأن هذه القصة فلا يبعد أن يكون من الروايات الإسرائيلية.





الخيال العلمي
هذي القصه بتكون تجربتي الاولى في قصص الخيال العلمي واتمنى ما تكون الاخيـرة .. صحيح ان التجربه بتحمل اكيد العديد من السلبيات الكثيره خصوصا في مثل هذا النوع من القصص .. لكنها بتكون تجربه .. وما خاب من جرب .. واكيد باكتسب من التجربه العديد من الفوائد وبنفس الوقت بحاول ان افيدكم ولو بالشي القليل .. واسمحولي مقدمـا اذا خيالي ما لـقى قبول لديكم في بعض المواقف والاحداث بالقصــة.
ملاحظة : اللهجة المستخدمة في القصه هي اللهجة الاماراتيه بالرغم من اختلاف الأماكن والجنسيات في القصة .
#####################################
أســـــرار الماضــــــــي
في الاسبوع الماضي ، دخلــت مركــز تجاري في مدينة الشارقه ، واتجولت في أروقته لدقائق طويله قبل لا يقــع بصري على شخص حسيت اني عارفنه من زمان ، وبالفعل .. لما ركزت عليه اكثر اكتشفت اني اعرفه وانــه كان استاذي في المدرسه أيام الثانوية ، وكان يدرسني مادة التاريخ..
والمدرس هذا ( فلسطيني الجنسيه ) واسمه ناصر ، وعنده خبره طويله في مجال التدريس عموما و التدريس بدولة الامارات خصوصا .. ومباشرة اقتربت منه ، وصافحته وسلمت عليه بكل حرارة واحترام ..
في البداية .. ما عرفني .. لكني ذكرته بنفسي ، وذكرته بمواقفي معاه أيام الدراسه ، ولحظتها ابتســم المدرس وحياني بحراره وترحاب شديد .
ظليت اسولف معاه لدقايق طويله ، وعرفت انــه انتقـل من مدة قريبه للعمــل في مدينة الشارقــه.. وبعدها .. حبيت اني استأذن منه عشان اخليه يتسوق في المركــز على راحته ، لكنه فاجأني لما مســك ايدي بقوه وقال :
- اشرايــك اتروح معاي شقتي الحينه عشان اضايفك وانسولف على راحتنــا .
اتفاجأت بسؤاله وحبيت صراحه اني اتهرب منه فقلت :
- مشكور استاذ وما تقصر... انا ما أبغي اعطلك معاي .. انــا ..
قاطعني بسرعه وهوه يقول بانفعال خفيف :
- يا خالد .. شقتي قريبه ومجابله هذا المركــز تماما .. اقعــد معاي وسولفلي عن ربعك اللي كانوا طلبتي أيام الثانوية .. ولا ما تبى تقعد واتسولف مع واحد شايب مثلي ..
احرجني بطلبه ، وما لقيت بــد من قبول عرضه ، خصوصا اني عارفنه من ايام المدرسه .. كلمته وحده .. وعشان جذيه تبعته لين شقته اللي كانت بالفعل قريبه جدا من المـركــز ..
وبعد ما وصلنا الشقه ودخلناها اكتشفت انهــا واسعه وبرحه، قبل لا يدخلني الاستاذ للمجلس ، وما سمعت حس او صوت لاي انسان بهذي الشقه ، ولما سألته عن أهل البيت قال ان زوجته وعيالها ساروا مع اخوهـا دبــي وانهم بيرجعون بساعه متأخره من الليــل ..
اول ما قعدني الاستاذ على الكنبه الموجوده في المجلس ، اتحرك هوه صوب المطبخ مباشرة ، قبل لا يرجع بعد دقايق قليله وبيده صينية الشاي .. وشربت الشاي معاه ، وبدينا انسولف عن ايام الدراسه .. حلوها ومرها ..
ولحظة ما كنت اسولف معاه ، خطــر على بالي سؤال فسألته وقلت :
- آآ استاذ ناصر .. كم سنه صارلك في مهنة التدريس ..
ابتسم الاستاذ ناصر وهوه يجاوب :
- انـا اول مره امسك فيها ( التباشير ) كان في شهر عشره من عام الف وتسمعية واثنين وسبعين ( 1972 )
اندهشت من كلامه وقلت :
- ما شاء الله .. اكثر عن ثلاثين سنه وانته ادرس ..
هــز الاستـاذ ناصر راسه بدون ما يعلق ، فتابعت كلامي بسؤال ثاني فقــلت :
- وانته اول ما اشتغلت .. اشتغلت بدولة الامارات ..
هالمرة هــز راسه بالنفي وقال :
- لا .. اول ما اتخرجت من الجامعة في مصــر .. اتعينت مدرس في دولة ليبيا .. وظليت في ليبــا ألين اوائل الثمانيات ، وبعدها انتقلت للعمل في الامارات ..
ابتسمت في وجهـه ، ونزلت راسي باتجاه الارض ، وشربت ما تبقى من الشاي في كوبي ، ثم رفعت راسي ، وسألته سؤال عادي ، لكنه كان مؤثر بطريقه غريبه عليه :
- وشو اصعب المواقف اللي واجهتك هنــاك ، لما كنت تشتغل في ليبيــا ؟!
عقـد الاستاذ ناصر حواجبه في شدة ، وسكت سكوت مريب ، وكأنه يسترجع احداث مهمه وغير طبيعيه مرت عليها اثناء تواجده في ليبيا قبل لا يرفع راسه بهدوء ويطالعني بنظره غريبه ويقول :
- اتصدق يا خالد ان سؤالك هذا ذكرني بحدث عجيب وغريب مـر علي في ليبيا.. وانا نسيته او اتناسيته من زمــان .. واتصدق ان الحدث هذا كان وما زال ســر ما بيني وبين نفســي ليومــك هذا ..
جذبت كلمات الاستاذ ناصر الاخيره اهتمامي الشديد فقلت :
- ســر ؟!! ســر شوه ؟!
اتلفت الاستاذ ناصرحوله .. يمين وشمال ، وكانه خايف من سماع اشخاص ثانيين لحديثنا هذا مع ان الشقه كانت خاليه من ساكنيها!! ، لكنه خفض صوته وهو يقول :
- اممم .. تدري .. هذا السر ظل بقلبي سنين طويله .. وعمري ما فكرت اني اقوله لحــد حتى لزوجتي ام عيالي .. لكني هالمره .. ما ادري ليش .. محتاج فعلا اني اصارح حــد عنه .. وانا صراحه كنت دايما ارتاحلك من ايام ما كنت طالب عنــدي ..
ابتسمت في وجهه وانا اقول :
- وانا كنت دايما معتبرنك افضل استاذ في المدرسة ..
اتجاهل الاستاذ ناصر كلامي الاخير وتابع كلامه فقال :
- بس الكلام اللي بقوله اياه ما يتصدق .. ما يتصدق بتاتـا .. شي يتعدى الخيال نفســه ..
اندهشت من كلامه وقلت :
- يا استاذ ناصر .. انتي استاذي وشي طبيعي اني اصدقـك و ..
قطع كلامي بشده وقال :
- بس ها المره غير .. غير.. صدقني غيــر ..
ارتفعت حواجبي لأعلى وانا اسأله :
- كيف يعني غيــر ..
صمــت الاستاذ فتره ، وبان عليه التردد الشديد ، لكنه رفع صوت في النهاية وقال :
- بقولك وأمري لله .. لكنك لا تحكم على صدق كلامي من عدمه ، الا بعد ما تسمع القصه كامــلة ..
هـزيت راسي بايجاب وقلــت :
- حاضر ..
التقط الاستاذ ناصــر نفس عميق جــدا ، ثم بدا يروي قصته الغريبه ..
وبدا ينبش بشراهه في الماضي البعيد ..
ويستخرج من بحوره.. سر من اسراره ..
أسرار الماضي .
##########################################
في هذا اليوم ، اللي يصادف العشرين من شهر اكتوبر لعام الف وتسعمائه وثلاث وسبعون ( 1973 )... عبرت السياره بهدوء وحذر على ذلك الطريق الوعــر .. الطريق الذي يربــط مدينــة ( غريان ) اللي تقــع في جنوب العاصمة الليبيه ( طرابلس ) وتبعد عنها بحوالي تسعين كيلو متر ، بمنطقة نائيــة وبعيده وتسمى قرية ( العربان) اللي تبعد عن مدينة ( غريان ) بحوالي ستين كيلومتر من الجهة الجنوبية الشرقية منهـا.
وكان يستقـل السياره ، شاب ( فلسطيني ) الجنسيه ، اللي كان راكب بجوار سائق السياره ، في طريقهم من مدينة ( غريان ) لتلك القريــة البعيده النائية.. قرية ( العربان ) .
واثناء ما كانت السيارة تتحرك بصعوبة في ذلك الطريق الوعــر ، تذكر هذا الشاب الفلسطيني اسباب ذهابه لهذه المنطقة النائية بالذات .. منطقة ( العربان ) .. واتذكر انـه كان يعمــل مدرس لمادة ( التاريخ ) في مدرسه موجوده بمركــز مدينة ( غريان ) الليبيه ، بعد ما انتقل للعيش والعمل في ليبيا عقب انتهاء دراسته الجامعية في جهمورية مصر العربية ..
... ولكــن.. وبسبب الخلافات الشديدة بينه وبين مديــر المدرسة ، طلب هذا المدرس اللي يسمى ( ناصــر ) نقــله لأي مدرسة ثانية ، عشان يرتاح من ازعــاج المدير وتصرفاته الغريبة ..
وما اعترض ناصر ابــدا لما قاله المدير انه بينقــله لهذي المنطقة النائية البعيده ، خصوصا انــه انسان عازب وما عنده اية ارتباطات اسرية ثانية ..
كان الطريق صعب للغايه ، وبنفس الوقت كان غريب .. كان الطريق عباره عن صحراء وجبال .. والصدوع والوديان العميقة والارتفاعات الجبلية المفاجئة منتشره بكثرة بالمكان ...
كانت السيارة تتحرك في ارض جرداء وفجأة يظهر أمامهم وادي عميق غائر في اعماق سحيقه بالارض ، وبعد مسافه ثانية ترتفع السياره مره ثانية لتصعد على جبل عالي ..
واستمر الحال على تلك الشاكلة.. هبوطا وصعودا .. ليما وصلت السيارة فعلا للقرية في الساعة التاسعة ليلا ..
وكان في استقبال المدرس ناصر ، حارس المدرسة اللي استقبله بكل ترحاب وبهجة وهو يقوله :
الحارس : مرحب فيك يا شيخ . **(( المدرس في ليبيا يسمى شيخ بذاك الوقت )) ..
هــز ناصـر راسه وهو يقول :
ناصر : اهلا وسهلا فيك يا ..
عاجله الرجل بالتعريف بنفسه لما قال :
الرجل : انــا مولــود .. اسمي مولود ..
ابتسم ناصر وهو يقول بلهجة ترحيب :
ناصر : مرحب فيك يا مولود ..
وبدوره ابتسم مولود وقال :
مولود : شرفتنا يا شيخ .. انــا حارس المدرسه اللي بتعمل فيها ان شاء الله.
رد عليه ناصر بهدوء :
ناصر : اتشرفنا اخوي .. وانا اسمي ناصر .. ممكن ادلني على المدرسه عشان اشوف مكان سكني فيها قبل لا أباشر عملي فيها باجــر ..
هــز الحارس مولود راسه وقال :
مولود : طبعا يا شيخ ..اتفضل معاي ..
مشى ناصــر مع الحارس لخطوات قليله قبل لا يوصل ، لـ ( كرافان ) او بيت من الخشب المتنقل ، واللي كان فيه بعض الغرف ، وساعتها ارتفع صوت الحارس مولود هوه يقول :
مولود : هذي المدرسة يا شيخ .. وهذي المدرسه فيها فصل واحــد ، وقاعة نشاط صغيره ، بالاضافة لغرفة المدرس ومسبح صغير ..
عقد ناصر حواجبه من الدهشه وهو يقول :
ناصر : المدرسه كلها عباره عن فصل واحد ..
ابتسم الحارس مولود وقال بهدوء :
مولود : هذي المنطقة يا شيخ منطقة نائية ، وعدد سكانها قليل ، وما فيها غير فصل أول ابتدائي ، يدرسون فيها ابناء وبنات الحي ، وها المدرسه احضروها هنيه قبل ثمان شهور بس ..
هــز ناصر راسه بتفهم وقال :
ناصر : يعني انا الموظف الوحيد في المدرسة ..
اتسعت ابتسامة الحارس أكثر وهوه يقول :
الحارس : نعــم .. انته بتكون الشيخ والمدير وكل موظفين المدرسه ما عدا الحارس طبعا ..
صمــت ناصـر لحظة وهو يفكر ثم قال :
ناصر : طيب .. خذنــي لغرفتــي الحينه ..
اتحرك الحارس ووراه ناصر ، باتجاه الكرفان ، ودخل معاه ، والقى ناصر نظره سريعه واتعرف على طبيعة المكان اكثر ، وفي النهاية وصل لغرفته ، واطلع على المسبح الصغير الملاصق فيها ، قبل لا يتكلم بدهشه :
ناصر : ها المسبح ما فيه مــاء ..
عاجله الحارس بجواب سريع :
الحارس : اذا اتريــد ماء ، بتلاقيه في البئر المخصص للمدرسه على بعد امتار منها ..
اتحرك ناصر باتجاه فتحة التهوية الصغيرة بالغرفة ، وبصعوبة قدر ايشوف البئـر بسبب ظلام الليل الحالك ، وبعدها التفت مره ثانيه للحارس وهو يقول بخفوت :
ناصــر : والساعة كــم دوام الطلبة باجــر .
جاوبه الحارس مولود :
مولود : الدوام الساعة ثمانيــة الصبح ..
هــز ناصــر راسه بتفهم وقال :
ناصر : طيب ..
ارتفع صوت الحارس شويه وهوه يقول :
الحارس : انا الحينه بتركك ترتاح من عناء السفر .. ما تأمرنــا بشي قبل لا اطلع ..
ابتسم ناصر بويهه وقال باختصار :
ناصر : سلامتك ..
اتحرك مولود جهة الباب واول ما وصله التفت مره ثانية جهة ناصر وقال :
مولود : آآ .. يا شيخ .. احتمال تسمع اصوات في الليل .. فأنته لا تهتم فيها ولا تخاف منها ..
جذبت كلمات مولود الاخيره اهتمام ناصر فسأله بلهفة :
ناصر : أصوات ؟! أصوات شوه ؟!
حاول الحارس انه يمتص خوف ناصر المفاجىء فقال :
الحارس : لا تخاف .. هذي اصوات الضباع .. وهيه نادرا ما تقترب من المدرسه لكنها اطلع اصوات احيانا ..
اتلاشى الخوف تدريجيا عند ناصر لكنه تابع بحذر :
ناصر : وهذي الضباع ما تهاجم المدرسة ؟
هــز الحارس راسه بالنفي وقال :
الحارس : لالا .. ما تهاجم المدرسة .. لكنك لا تطلع من المدرسة بالليل .. واذا طلعت لأمــر طارىء .. خذ معاك الخنجر الموجود بغرفتك عشان تحمي نفسك في حال لا سمح الله صادفت واحد منهـم ..
شعر ناصر برعشة خفيفه بجسمه لكنه مسك نفسه وقال :
ناصر : مفهوم مهفوم .. في امان الله يا مولود .
اتحرك مولود فعلا ، واغلق الباب وراه بسرعة ، بينما انشغل ناصر باخراج ثيابه من الحقيبه ووضعها بسرعه في الكبت ( الدولاب ) ، وبدل ثيابه بسرعة فائقة ، قبل لا يرمي نفسه على السرير الصغير ويغـط ويغرق في نومــه عميقة جدا من أثــر تعب الطريق الطويل ..
**********************************
فتح ناصر عيونه بهدوء ، وشعر بنور الشمس يتغلغل للغرفه بنعومه وصفاء ، ومباشرة التفت للساعة الصغيره الموجودة على الطاوله الصغيره الموجوده بجنبه ، فشاف انها اتشير للسابعه صباحا ، ومباشرة .. قام من نومه ، وذهب للبئر وجلب منه الماء ودخل المسبح واتغسل ، ثم لبس ثيابه ، وطلع برع الغرفة واتجه للفصل الدراسي .. لكنه ما وجد الطلبه فيه ، وانتظر ليما صارت الساعة ثمانية .. لكن الطلبه ما حضروا .. ، ولحظتها طلع برع المدرسه عشان يستفسر من الحارس عن اسباب تأخر الطلبة ..
لكنه لما طلع ووقف في الهواء الطلق .. اندهش بشدة لما شاف بوضوح المنطقة الموجود فيها ، واللي ما شافها بالليل بسبب الظلام الحالك ..
وسبب دهشته انه ما كان يشوف أي بيت مشيد او مبني في هذه المنطقة !!! وكأنها فارغه من السكان نهائيا ..
كانت المنطقة عباره عن جبال ممتده واتحيط بها الاراضي الجرداء من اتجاهات مختلفة .. ولحظتها سأل ناصر نفسه :
ناصر : شو اللي قاعد ايصير هنيه .. انا بمنطقة ما فيها نــاس ؟!!
سمع ناصر صوت الحارس يناديه من الخلف ويقول :
الحارس : صباح الخير يا شيخ ..
التفت ناصر لمصدر الصوت ثم رد عليه وقال بنفس لهجته :
ناصر : صباح النور يا مولود .
اقترب مولود اكثر من ناصر قبل لايقول :
مولود : انا ادري انــك قاعد تنتظر الطلبة .. صح ..
هــز ناصر راسه بالايجاب وقال بانفعال :
ناصر : اكيد ..
ابتسم مولود بهدوء ثم قال :
مولود : الطلبه على وصول ان شاء الله .. بس انته عارف ان اليوم هوه اول يوم دراسي بعد فترة انقطاع طويله ، والطلبه ما متعودين على المواعيد الدقيقه ، واكثرهم ما عنده ساعه من الاساس ... ثم انهم متعودين يحضرون المدرسه جماعه .. الاولاد وخلفهم البنات ..
اتساءل ناصر بدهشة وفضول :
ناصر : بس انا ما شايف بيوت في هذي المنطقة يا مولود ؟!
اتسعت ابتسامة مولود وهو يأشر بيده جهة الجبال ويقول :
مولود : البيوت موجوده هناك .. في الجبال ..
عقد ناصر حواجبه وقال :
ناصر : في الجبال حرك مولود راسه وقال :
مولود : هيه .. الاهالي بها المنطقة منطقة ( العربان ) يحفرون بيوتهم في الجبال ، يعني لما تقترب من الجبل بتلاقي مدخل فيه ، ولما تدخل الجبل بتلاقي غــرف محفوره بداخل الجبــل ** (( حقيــقه )) **
صمــت ناصر دقيقه وهوه يطالع الجبال القريبه منه ، وفجأه .. برزت مجموعة من الرؤوس البشرية في طريقها باتجاهه ، وفعلا كانوا مجموعة من الطلبة والطالبات اللي تتراواح اعمارهم ما بين الست سنوات الى الخامسه عشـر .. وكلهم .. وباختلاف اعمارهم بيدرسون بالصف الاول الابتدائي .. لان التعليم وصل لهذي المدرسة حديثــا .
اقتربت المجموعة الطلابية اكثر ليما وصلت لناصر ، وسلموا عليه بحرارة قبل لا يقودهم للفصل الدراسي ، ويجلس الطلبة الذكور في الصفوف الاولى ، وتجلس الاناث في الصفوف الخلفيه ، وباشر ناصر عمله في تدريسهم مواد الصف الاول الابتدائي طوال اليوم الدراسي ..
وبعد انتهاء اليوم الدراسي ، وذهاب الطلبة لبيوتهم عند الساعه الثانية عشر والنصف تقريبا .. وبعد ما صلى ناصر صلاة الظهــر ، رجع مره ثانيه لسريره بغرفته وغرق في نومــة عميقه ما فــاق منها الا العصــر .. ووقتها نهض ناصر من فراشة وصلى العصر ، وقعــد في الغرفــة ..
في البدايــة .. كان يفكــر بوضعه الجديد ومكانــه الجديد ، لكن مع مرور الدقايق ببطء ، بدأت تتسرب نيران الوحدة القاتــلة لنفسيته .. وما اتخيل عمره انه بيظل وحيد في هذا الغرفه الين باجــر .. موعد دوام الطلبة .. والادهي من هذا ان الوضع هذا بيستمر معاه طول ما هو موجود بهذه المنطقة النائية ..
الاحساس بالوحدة فظيع جدا .. ويصعب على الانسان تحمــله ، حتى لو كان عايش في قصــر شاســع .. وجنــة بدون ناس ما تنداس ..
مرت دقايق ثانــية ، ونفسية ناصر كلما وتزداد سوء .. خاطره يكلم حــد .. يضحك مع حــد .. او حتى يتضارب مع حــد .. أي شي .. المهم ايلاقي شخص يكلمــه .. لكنــه ما وجــد .. وبــدأ ايكلم نفسه للحظات ، ثم اتوقف عن هذا الشي لما حس بغرابــة هذا الشي ..
وفي غمرة من ضيقه وكدره قال :
ناصر : لالا .. اذا تميت جذيــه اكثر من هذا اكيد بتجنن ..
اتلفت ناصر حوله .. يمين وشمال .. في محاولة لايجاد اي شي عشان يتسلى فيه .. لكنه ما وجد .. فنهــض من مكــانه واتجه ناحية الكبت اوالدولاب ، وفتحــه وشاف ملابسه المعلقــه فيه .. وبعد ثواني من التأمل فيها نزل راسه ، فلاحظ وجود درج صغير في اسفل الكبت ، فدفعه الفضول لفتحه ، ولما فتحه لاحــظ وجود ملابس جديده في الدرج السفلي ، ورغم انه استغرب من وجود ها الملابس الجديدة بهذا المكان لكنه استمر في العبث و بعثرة الأغراض الموجودة بذاك الدرج ، قبل لاي يقــع بصره على محفظة نقــود صغيره ..
مسك ناصر المحفظة بيده اليمنى وفتحها وهوه يتوقع انه يلاقيها خاليه تماما ، لكنه اتفاجأ واتسعت عيونه من الدهشة لما وقع بصره على اوراق ماليه كثيره فيها ، وزاد اندهاشه اكثر لما لقــى فيها أوراق شخصية لصاحب المحفظة نفسه ؟!! .. وهنيه دقـق ناصر بالارواق الموجوده بين يــده ، فلاحظ ان الارواق هذي اتعود لمدرس اسمه ( محمد ) ومن نفس جنسيته ( فلسطيني ) .. ولحظتها اتساءل ناصر بينه وبين نفسه :
ناصر : غريبه والله .. ليش ترك ها المدرس اوراقــه وامواله وثيابه وما أخذهــم معاه ؟؟
واثناء ما كان يفكـر بتفسير مقنع للي قاعد يشوفه ويلاحظه ، سمع طرقات خفيفه على باب غرفته ، وهذا اللي جعلــه يرتبــك وايزيد خفقان قلبــه .. واول ما اتماسك شويه رفع صوته وهو يقول :
ناصر : من على البـــاب ؟!!
أتــاه صوت الحارس سريعا وهوه يقول بصوت عالي :
الحارس : انا مولود يا شيخ ناصــر .
ارتاحت نفسيته شوي ، لكنه اتحرك بخطوات واسعة باتجاه الباب ، وفتحه بسرعه ، واول ما فتحه شاف الحارس مولود واقف امامه ويقول :
مولود : السلام عليك يا شيخ ..
رد عليه ناصر بسرعه وبصوت خافت :
ناصر : وعليكم السلام .. اتفضل يا مولود ..
هــز مولود راسه بالنفي وقال :
مولود : لا ياشيخ .. انا ما جاي عشان اقعـد ... انا أريدك الحينه بسرعه عشان اتسير معاي عند الــ ...
قطع ناصر كلامه بسرعه وهوه يقول :
ناصر : ادخل يا مولود ، ابغيك بموضوع مهم ومستعجل.
رفع مولود حواجبه في دهشه ثم سأل ناصر بحذر :
مولود : موضوع مهم ؟! موضوع شوه ؟!
أشار ناصر بيده باتجاه منتصف الغرفة وهو يقول بصرامة :
ناصر : انته ادخل وبتفهم كل شي ..
دخـل الحارس بالفعل للغرفه ، وقعد على كرسي صغير موجود فيها ، وانتظــر ليما يبدأ ناصر بالكلام عشان يشرحله الموضوع ، لكن ناصر ظــل صامت لفترة وهوه يطالع مولود بنظرة طويله وصارمة ، وفي النهاية اتكلم فعلا وهو يسأل مولود بهدوء مستفـز:
ناصر : قولي يا مولود .. المدرسه هذي .. من متى موجوده هنيه ..
عقــد مولود حواجبه وغرق في نوبة تفكير بسيطه قبل لا يقول :
مولود : من ثمان شهور تقريبا ..
صمت ناصر لفتره ثم عاجــل مولود بسؤال ثاني :
ناصر : يعني كان فيها مدرس قبلي موجود بنفس هذي المدرسة وهذي الغرفـة .
هــز مولود راسه بهدوء وهو يقول بخفوت وحذر :
مولود : هيه نعم .. كان عدنا شيخ من نفس جنسيتك .. يعني فلسطيني .. واسمه محمــد ، لكنه ما كمــل عدنا اكثر من ثلاث شهور ثم طلب نقلـه ورحــل ، وعشان جذيه أرسلتـك الوزراة المركزيه عشان اتحل مكانه...
اقترب ناصر اكثر من مولود ، وتبادل معاه نظره صارمه ثم قال :
ناصر : والوزارة انتظرت خمس شهور كاملة عشان اتعين واحد ثاني مكانه ..
نكس مولود ببصره للارض ، وبدا القلق يتسرب لاعماقه ، لكنه اتماسك وجاوب بحذر :
مولود : انته عارف زين ان المنطقة هذي منطقة نائيه ، ويصعب الوصول الها ، وعشان جذيه .. الشيوخ المعلمين يرفضون في العادة القدوم الهــا ..
بدا جواب الحارس مولود منطقي جدا ، لكن ناصر كان يشعر بربكه الحارس واضرابــه رغم محاولاته التظاهر بالعكس .. وهذا اللي فجـر الشكوك بنفسية ناصر ، ولحظتها اقترب ناصر اكثر من مولود وركز عيونه بشده في عيون مولود ، وكان يهدف من ها الحركه ارباك مولود اكثر استعداد لأشعال الموقف بوجهـه ، وفعلا .. وبعد لحظات طويله من تبادل النظرات ، مسك ناصر بيد مولود ، وسحبه بحركة عنيفه أثارت دهشة الحارس وخوفه ، قبل لا يصرخ ناصر بأعلى صوته وهوه يقول :


ناصر : والمدرس اللي يرحل عن المدرسه ، يتــرك وينسى ثيابه الجديدة ومحفظة نقــوده وفيها كل اوراقــه في الكبت ولا يسأل عنها .. او يرجع عشان ياخذها اذا كان فعلا نساهــا ؟!!



انتفض جسد مولود بعنف ، وبدا العرق يتصبب من جبينه وهو يحاول ايجاد سبب منطقي لهذا .. لكن خوفه وارتباكه هزمــه وخانه السانه لما قال بكل عفويـة :

مولود : الشيخ اللي قبلك... اختفى !



عض مولود على لسانه بشدة ، وكأنه ندم بشده على كلمته الاخيره اللي التقطها ناصر باهتمام شديد وهو يقول بدهشه :

ناصر : اختفــى !!



ازداد ارتباك مولود ، وادرك انــه لا فائدة من الانكــار فنزل راسه وكرر كلامه السابق فقال :

مولود : هيه اختفى .. الشيخ هذا وبعد ثلاث شهورمن وجوده هنيه اختفى نهائيا من الوجود وما لقيناله أي أثــر بعدهــا .. لا في هذا المكان ، ولا في المحافظــات الليبيه القريبه ولا حتى البعيده ..



اتسعت عيون ناصر من الدهشه وقال باستنكار :

ناصر : يعني كيف اختفى .. أكلته الضباع مثلا !!



هــز مولود راسه بالنفي وهو يقول بصدق :

مولود : الضباع قليلا ما تهاجم الناس ، وحتى لو هاجمتهم وقتلتهم لازم تترك ولو أثر بسيط منهم .. اشلاء بشرية او ثياب متقطعة .. لكن في حالة الشيخ السابقه اختفى نهائيا .. اختفى نهائيا ..



اتفجرت المفاجأة بقوة في كيان ناصر وهوه يعتصر مخه بشدة في محاولة لاستيعاب سر الاختفاء الغامض للمدرس اللي قبله ..

لكنه ما لقى أي حل حاضر لهذا الســر اللي يعتبر سـر من أسرار ..

الماضــي ..





يتبـــع في الجـــزء الثانـــــــــــي ......



__________________________________________

__________________________________________

_________________________________________



* تقع قريه ( العربان ) في الجنوب الشرقي من العاصمه الليبيه ( طرابلس ) وتبعد عنها بحوالي 150 كيلومتــر ..











اســـــرار الماضــــــي .. الجزء الثانــي ..



اتجمدت الحروف في حلــق ناصر بعد سماعه لخبر الاختفاء المريب للمدرس السابق بالمدرسة ، ووقف فتره طويله وهوه ينظر للحارس مولود بنظرات صامتـه وحايــرة ...



وفي المقابل حاول مولود ايجــاد أي مخــرج لورطتـه هذي ، فما كان منــه الا ان رفــع صوتــه فجــأه وهوه يقول :

مولود : يا شيخ ناصر .. لا تشغل بالك ولا تهتم بالموضوع هذا .. ولا تنسى ان الأراضي الليبيه كبيره ، وصحراها واسعه ، وممكن جدا يكون المدرس السابق طلــع يتمشى بالخارج وتوغل في الاراضي البعيده أواختفى في الدروب الوعــرة.. وفيه ناس غيره سبق وأن ضاعــوا في هذي الارض ومن سكان المنطقة نفسها وما لقوهـم الا بعد شهور طويله ، واحنا يامــا حذرنا الشيخ وقلنــاه لا تبتعد عن مكان سكنــك بدون دليل من أهل القريه ، لكنه ما سمع الكلام.



التــقط مولود نفس قصير ثم تابع كلامه وقال :

مولود : قبــل حوالي سنتين ، اختفـى أحد أهالي هذي القرية ، وما لقيناه الا بعد ثمــان شهور كامــله ، وحصلنا جثتـه بالصدفه بــأحد الوديان السحيقه البعيــده.



ما اقتنع ناصر كثير بكلام مولود ، واستمر في تفكيره ، قبل لا يرفع صوته ويتساءل وهوه يرفع المحفظه اللي بين يـده :

ناصــر : وليش الشرطـة ما حققت في موضوع اختفـائـه ، وليش ما خذت متعلقاته الشخصية هذي ؟



انفعل مولود وهوه يجاوب ناصر بقوله :

مولود : مركـز الشرطه يبعد عن القرية بحوالي عشره كيلومتر ، واحنا خبرناهــم بالحادثــه ، وهم فعلا ارسلوا احد افرادهــم ، وفتشوا المدرسه ومكان سكن الشيخ السابق ، ولقوا حقيبة سفره الكبيره ومعاها حقيبـة صغيره ، وحصلوا فيها وثيقـة سفره الصادره من السفارة المصريه ، واوراق اقامــته في ليبيا ، واوراق تحديد الهوية بالاضافه لارواق تعيينه ، ومبالغ بسيطه ، لكنهــم ما فتشوا دولابـه لانهم الظاهر اكتفوا بالارواق المهمه اللي عندهم ، ويمكن ما توقعوا ان محفظة الشيخ السابق موجوده في الدرج السفلي واتحروهــا معـاه ، او يمكن ما اهتموا بالبحث عنها من الاساس .. وفي كل الاحوال ما اعتقد ان الاوراق اللي فيها مهمه بأهمية الاوراق اللي حصلوا عليها أصلا .. وهيه مثل ما قلتلك ... وثيقة السفر ، واوراق الاقامه وبطاقة التعيين ..



فتــح ناصر المحفظه مره ثانيه ، واستخرج الاوراق الموجوده فيها ، و بالفعل.. كانت الاوراق عباره عن رخصـة سوق صادره من مصر ، وورقــة معالجــة محليــة واوراق خاصه ببعض المعاملات العادية الخاصه ، ولحظتها رفع ناصر راسه وقال :

ناصر : معاك حـق ، الاوراق اللي عثروا عليها هيه الاهــم ..



صمــت ناصر لحظات قصيره ثم رفع صوته بغته وقال :

ناصر : والوزاره كيف تبعث مدرس جديد للقريــة ، والمدرس السابق بعده مفقود .



حرك مولود كتوفه بدهشه ثم قال :

مولود : في البدايــة اتخوفت الوزاره من ارسال شيخ جديد لكــن رئيس قبيلتنها وبعد خمس شهور من زياراته المتكررة للمسئولين بالوزراة ، اقنعهم بضرورة ارسال شيخ جديد للقريـة بعد ما اتعهــد بالحفاظ عليه وعلى أمنــه ، وفي كل الاحوال .. مب معقوله ان الوزاره تترك المدرسه بدون شيخ اطول من ها الفتره .. مهمن كانت الاسباب ..



حاول مولود انــه يسيطر على اعصابه والهروب من هذا الموضوع بأي شكل ، فاتصنــع ابتسامه خفيفه على وجهه وقال :

مولود : انته شغلتني بسالفة الشيخ السابق ونسيتي الموضوع العاجل اللي ياينــك عشانــه ...



عقــد ناصر حواجبه وهوه يسأله باهتمام :

ناصر : موضوع شوه ؟



اتسعت ابتسامة مولود أكثر ثم قال :

مولود : انتــه اليوم معزوم على العشاء عنــد ( البــي ) ..



ما فهم ناصر كلمة مولود الاخيره فسأله بفضول :

ناصر : ( البـي ) ؟! .. منو هذا بعــد ؟!!



جاوبــه مولود ببساطه :

مولود : رئيس او زعيم القبيله عدنا انسميه او انلقبه بـ ( البي ) .



صمــت ناصر شويه قبل لا يوجــه سؤاله لمولود ويقول :

ناصر : والبي هذا .. هو اللي باعثنـك عنــدي عشان تعزمنـي ؟



هــز مولود راسه بايجاب وقال :

مولود : هيه نعــم .. ( صالح بـي ) وكبار رجال القريه بانتظارك في مجلسـه ، و يريدون التعرف عليــك ، والتشرف بصحبتك .



رمقــه ناصر بنظره قصيره وبعدها قال :

ناصر : انزين .. ومتى اتريدنا انسير عنــدهم ..



جاوبه مولود بلهفـه :

مولود : الحين بنسيــر و ..



قطع ناصر كلامه وهوه يحرك يــده ويقول :

ناصر : لالا .. مب الحينه .. ما باقي شي عن المغرب .. انته الحين روح اليبت ، وبعد صلاة المغرب .. ارجعلي مره ثانيه .. وبعدها بروح معـاك عنـده .. انزين ..



حرك مولود راسه بتفهم وقال :

مولود : حاضر ..



اتحــرك مولود فعلا ليما خرج من الغرفــه ، بينما غرق ناصر في الدقايق المتبقية عن المغرب في تفكير عميق ، وهوه يحاول انــه يطرد موضوع اختفاء المدرس نهائيا عن ذهنــه وتفكيره .. ويوهم نفسـه ان ما جرى .. قضاء وقدر .. وان سالــفة الاختفــاء عاديــة ممكن اتصير وتحدث في كــل مكــان .. لكنه ما قــدر يزحزح ها الخاطــر نهائيا عن راسه .. وظل على ها الحاله ليما حان موعد آذان المغرب .. ولحظتها .. قام ناصر من مكانه وراح للبئر الصغير وجلب منه بعض الماء ، واتوضـأ وصلى المغرب ، ثم انتظــر قدوم مولود عشان يذهب معاه عند ( صالح بي ) او رئيس القبيلة .



*******************************

****************************



ما انتظر ناصر كثير قبل لا يرجع مولود مره ثانيه ، ويرفع صوته المزعج كالعاده ويقول :

مولود : هاه يا شيخ .. جاهــز للروحــة ..



وفي المقابل رفع ناصر صوته وهو يقول :

ناصر : انا جاهــز يا ....



قبل لا يكمل ناصر كلامه انقطع ضوء ( الفنــر ) أو المصباح الغازي المعلق في الغرفه واللي اشعله ناصر بعد المغرب بقليل ، ولحظتها نادى ناصر على الحارس مولود بقوله :

ناصر : يا مولود .. ( الفنـر ) انطفأ .. الظاهر ان الغاز خلص منـه ..



أتــاه صوت مولود من الخارج مطمئنـا :

مولود : لا تخاف يا شيخ .. برميل الغــازالصغير موجود تحــت الكرافان ..و



صرخ ناصر بأعلى صوته من الداخل وهوه يقول بغضب :

ناصر : شو ها الذكاء الزايد اللي عندك .. حــد يحط و يضع برميل غــاز قابل للأشتعال تحت كرافان خشبي ؟! ..



امتعض وجه مولود وهوه يفتح باب الكرافان على ناصر ويقول :

مولود : اوو .. كلامك صحيح .. اتصدق.. ما فكــرت بها الشي ..



رمقــه ناصر بنظره صارمه ثم قال :

ناصر : ما عليه .. عبي ( الفنر ) الحينه بالغاز ، ومن باجــر الصبح اتحرك البرميل واتوديـه بعيد عن الكرافان .. مفهوم ..



هــز مولود راسه ثم قال :

مولود : مفهوم .. مفهوم .. المهم .. يا الله.. خلنا انروح بسرعه .. صالح بي في انتظارنــا الحينه .



اتحركوا الاثنينه على عجــل باتجــاه الجبال القريبه منهم ، ومشوا أمــتــارا طويله قبل لا يوصلون للجبل ، ولحظتها انبهر ناصر من شكل الجبل المجوف من الداخل قبل لا يدخله ويلاحظ وجود بعض الممرات والغرف الداخليه داخله ، وبعدها .. دخل ناصر غرفه جبليه كبيره وواسعه ، وبها مجموعه صغيره من الناس ، وبدا يسلم عليهم تباعـا ، واحد ورا الثاني ، وفي النهايه وصل لزعيم او شيخ القبيله وسلم عليه وقعــد بجواره ..



وفي المقابل رحب فيه رئيس القبيله اللي اسمه صالح ثم قال :

صالح بي : مرحــب فيـك يا شيخ ناصـر .. أسعدتنا بوجودك والله .. ومشكور جدا على تشريفك النا في قريتنا الصغيره قرية ( العربان ) .. ومشكور لقطعـــك كل ها المسافات في سبيل تعليـم ابنائنــا اللي محتاجين فعلا لعلمك الغزير ..



ابتسم ناصر بهدوء ثم قال بامتنــان :

ناصر : انا اللي اتشرف بوجودي معاكم هنيه في قريتكم الطيبه هذي ، ويشرفني اكثر اني اقــدم علمي البسيط لأبنائكــم الخيرين ، وان شاء الله نتعاون كلنا لما فيــه صالح هذي القريه الجميله خصوصا وصالح ليبيا الحبيبه عمومــا.



انفرجــت اسارير صالح بي فرحا وهوه يطبطب على كتف ناصر برفق ويقول :

ناصر : كلامـك هذا يثلـج الصدر يا شيخ .. وانا صراحة فرحان فيــك جدا .. خصوصا ان شيوخ كثيرين يرفضون العمـل بقريتنا بسبب بعدها عن المدن .. لكن الحينه .. انا مطمن جــدا لأن ابنائنا بيكونون بيـد أمينه و حكيمة ..اليد اللي بتعلمهم أصول العلم وعظمته .. العلـم اللي بينفعهم ان شاء الله في حاضرهم ومستقبلهم ..



اندهش ناصر من لباقــة البـي صالح ، لانـه ما توقع هذا منه فقال :

ناصر : ما شاء الله عليـك يا صالح بي ، تمتلك قدرات رائعه في الحديث والحوار .. انته وين درست هذا كلــه ..



ارتسمت ابتسامه خفيفه على شفاه صالح بي ثم قال :

صالح بـي : من الحياه يا ولدي .. الحياه هيه مدرستي .. اتصدق يا شيخ ناصر .. انــا عمري ما درست في مدارس ، وما أعرف حتى الكتابه والقراءه .. لكني قادر امشي اموري واديـر القريـة هذي على اكمل وجــه .. وانا ولله الحمد ، امتــلك كسارات صخور كبيره بهاذي المنطقة و اللي اتعود على الجميع بفوائد و أربــاح كبيره ..



بعد كلمة صالح بي الاخيره التفت ناصر جهة الشخصين الكبار القاعدين بطرف الغرفــه ، ولاحــظ ناصر ان الرجلين الثنينه قاعدين يطالعونه ويخزونه بنظرات اهتمام شديده ، ويتهامسون فيما بينهم بكلام خفي ، وهنيه فهم ناصربحدسه انهم يقصدونــه بهمسهم ، وهنيه ..التفت ناصــر جهــة صالح بي ، وخفض من صوته وهوه يقول :

ناصر : صالح بــي .. ها الاثنيــنه القاعدين في الزاويه .. أحسهم يتكلمون عنــي .. ليش ؟!



التفت البي صالح جهة الرجلين وارتفع صوته وهو يوجه كلامه صوبهم ويقول :

صالح : مفتــاح ..



اتركزت عيون الرجلين بعيون شيخ القبليه قبل لا يرد الاول منهم واللي اسمه مفتاح كما ناداه شيخ القبيله ويقول باحترام واضح :

مفتاح : نعــم يا صالح بي ..



وبلهجـه باسمــه سألهم صالح بـي :

صالح : كأنــكم قاعدين تتهامسون بشي .. والضيف شعر انــكم تتكلمـون عنــه .. واعتقد ما يجوز تتهامسون على الرجل بها الطريقه وتتطالعونه بنظراتكـم الخفيـه .



هــز الرجل راسه مبتسما وهوه يقول :

مفتاح : اسمحلنا يا صالح بي .. بس احنا كنـا مختلفين انــا واخويه مصباح بخصوص المكان الاصلي للشيخ ناصر .. انا اقولــه ان الشيخ ناصــر من الشرق ، يعني من منطقة ( طبرق ) وما حولها ، وهوه يقولي ..لا .. الشيخ ناصر من الجنوب يعني من منطقة ( سبهى ) وما حولها ..



ابتسم ناصر من كلامهم ، بينما ضحك صالح بي بصوت مرتفع وهو يقول :

صالح : لا من الشرق ولا من الجنــوب ..



اتساءل مفتاح بدهشه :

مفتاح : عيل من وين؟!



عاجله صالح بي بجوابه :

صالح : الشيخ ناصر مب من مواطني ليبيا ، الشيخ ناصــر من أهل الشــام ، وبالتحديد من فلسطين .



تبادل الرجلان نظرات الدهشه قبل لا يتكلم الاول ويقول :

مفتاح : مو معقوله ! .. الشيخ هذا يتكلم لهجة بدويــه خالصــه ، وكأنه من أهل الشرق او الجنوب !!



ابتسم ناصــر من كلامهــم ، وجاوبهم بنفسه بقوله :

ناصر : انا اتكلم لهجه بدويــه لانــي عشت في صغري وتربيت في مناطق بدويــه في فلسطين .



وبحركه وحده هــز الرجلان روسهم بتفهم ، بينما التفت صالح بي جهة مولود اللي كان صامت طول الوقت ، ووجهـله امــر سريع بقوله :

صالح : يا مولود .. خبـر الجمــاعه بالداخل عشان يحضرون صياني العشاء هنيــه .



نهض مولود بسرعه من مكانه وهوه يقول :

مولود : حاضر يا صالح بي .



غاب مولود عنهم للحظات قصيره ثــم عاد ومعاه بعض الصبيه وهــم حاملين مجموعة صياني ، ثم قامــوا يتوزيع ووضع صيانــي الأكــل أمام الضيوف ، واول ما وضعوا الصينيه أمــام ناصر ، ركــز ناصر بصره بشده في الصينيه الموضوعه امامــه ، ولاحظ ان الصينه فيها بعض المرق واللحـم ، لكن اكثر ما شــد انتباهه هوه القطعه الكبيره الموجوده بنصف الصينيه ، والقطعه كانت على شكل خوذه او كره صغيره محمره ومدسوسه بوسط المــرق واللحــم ، ولحظتها التفت ناصر جهة شيخ القبيله وسأله باهتمام :

ناصر : شو ها الاكــله يا صالح بي ؟



وبحماس جاوبه صالح بي وهوه يأشر على الصينيه :

صالح : هذي أكــله ليبيه شعبيه معروفه ويسمونها ( البازيــن ) ..



أشــار ناصر بيده جهة الصينيه ثم قال :

ناصر : وها الأكــلة ( البازين ) .. كيف اتسوونها ، يعني شو مكوناتها ؟



التقط البي صالح نفس قصير ثم اتبعه بقوله وهوه يلوح بيده حول الصينيه :

صالح : الكره الصغيره الموجوده بنصف الصينه ، عباره عن شعير معجون ومهروس بعنايــه شديده ليما يتحمــر ويتصلب شويه ، وبعدين نضع ها الكره بداخل صينيه المــرق واللحــم ..



صمــت صالح لحظات ثم تابع كلامه وقال :

صالح : مــد يــدك يا شيخ ناصر ولا تستحي .. ترا البيت بيتك ..



مــد ناصر يده بالفعل لصينية الاكــل ، وباتجاه الكره المحمره الموجوده بمنتصف الصينية بالتحديد ، وبذل مجهود خفيف لقطع جزء صغيرمنها لانها كانت صلبه شويه ثـم غمسها بالمرق واللحم ووضع اللقمــه في فمــه بحذر وهدوء شديد.



في البدايــه ، كان خايف من عــدم استساغـة السانــه لطعــم هذي الطبخه الجديده عليه ، لكنه وبعد لقيمات بسيطه .. أعجبــه طعمــها كثيــر ، وبدا ياكل بشراهه ملحوظــه اثــارة دهشة صالح بي وبنفس الوقت ابتسامـته .. لكنــه ما قطع على ناصر أكلــه وآثــر بالصمت ، وتركــه ياكــل ليما وقـف ناصر من تلقــاء نفسه بعد ما حس بألم خفيف ببطنـه من كثر ما أكــل ، ولحظتها ابتسم صالح بي وهوه يقول :

صالح : ان شاء الله عجبك أكلنــا يا شيخ ناصر ..



التفتله ناصر مباشره ثم قال بكل بعفويه وصدق :

ناصر : الا عجبتني .. صراحة .. لذيد جــدا ..



ومع ابتسامه خفيفه قال صالح بي :

صالح : بالهناء والصحه والعافيه عليك يا شيخ .



وفي المقابل ابتسمله ناصر وهو يقول بامتنان شديد :

ناصر : الله ايعافيك يا سيدي ، ومشكورين على كرمــكم الكبير هذا..



حــرك صالح بي كتوفه ثم قال :

صالح : خيرك سابق ، وانته الحينه منــا وفينــا ، واحنــا مستعدين نبعثلك كل يوم صينيه مثلها ليما اتمــل وتطفر من أكلهــا ..



ضحـك ناصـر وهوه يقول :

ناصر : ما تقصرون والله .. وانتوا صراحة احرجتوني وايد بحسن ضيافتكم وكرم اخلاقهم وطيبة قلبكــم .



ابتسم صالح بي قبل لا أيـأشر بيده باتجاه الصبيان اللي اتحركوا على الفور وحملوا صينية الأكــل بسرعه في طريقهم لخارج المجلس ، وبعد وقت قصير رجعوا ومعاهم صياني فيها الماء والشاي والقهوه .



وبعد ما شرب ناصر من الماء ثم الشاي والقهوه ، التفت جهة البي صالح وقال :

صالح : بسألك يا صالح بي .. قريتكم هذي .. ليش ما فيهــا لغاية اليوم كهرباء .. مدينة ( غريان ) اللي تبعد عنكم بستين كيلو فيها كهرباء في اغلب احيائها تقريبا .



جاوبه صالح بي بهدوء :

صالح : انا رحت المدينه وخبرتهم بخصوص خطوط الكهرباء للقرية ، لكنهم قالوا ان العملية محتـاجه وقت شويه ، لان طبيعة منطقتنـا الجبيله ووجود المنخفضات الشديد فيها يعرقل عمليه مــد الخطوط ويزيد من تكلفتها ..



اتلفت ناصر حواليه ، ثم قال :

ناصر : آآ .. عن أذنــك يا صالح بــي .. انا لازم اروح مكان سكني الحينه .. انــا ..



قطــع صالح بي كلامه بسرعه وقال :

صالح : هذا كلام اتقوله ، انته توك جــاي وبعدنا ما قعدنا و لا سولفنا معاك ..



ابتسم ناصر بهدوء ثم قال :

ناصر : اسمحلي يا صالح بي . مره ثانيه ان شاء الله ...وانا بودي اقعد معاكم اكثر بس شو اسوي .. عندي تحضير طويل لدروس باجــر ولازم اخلصه اليوم ... والايام طويله بينا ، بقعــد معاكم ليما اتملون منـي..



هــز صالح بي راسه بتفهم وهو يقول :

صالح : اذا السالفه جذيــه بنعذرك .. امــا قولك ان احنا بنمــل منــك ، فهذا هو المحال بعينه .. مستحيل انمل من وجهك السمح العطر هذا ..



نهض ناصــر من مكانه ، وهـم بالفعل لمغادرة المكان ، لكن لحظتها .. اتبادر لذهنــه خاطــر مفاجىء فالتفت للشيخ وباغته بسؤال سريع :

ناصــر : الا قولي يا صالح بـي .. شو سالفة المدرس او الشيخ السابق اللي اختفى من قريتكم فجــأه ؟!



انقلب وجــه صالح بي بغـته ، واتغيرت ملامحه بصوره ملحوظة ، واتحولت الابتسامه لعبوس شديد ، وبدون وعي انفعل بوجه ناصر وارتفع صوته وهوه يسأله بدهشه :

صالح : وانته شو دراك عن سالفة الشيخ السابق ؟!



اتفاجأ ناصر لانفعال صالح بي المفاجىء ، واشاح ببصره جهــة مولود اللي بان عليه بعض الارتباك قبل لا يرجع ناصر ببصره مره ثانية جهة صالح بي اللي فهم من حركة عيون ناصر ان مولود هو مصدر الخبر .. وبعد لحظة صمت قصير ، استعاد صالح بي هدوءه وتركيزه ، وسيطـر بقوه على اعصابه وهوه يصطنع الابتسامــه على وجهه ويقول :

صالح : لا تشغل بالك بهذي السالفــه .. انته عارف زين ان منطقتنا وعــره جدا وفيها مخاطــر كثيره وبنفس الوقت واسعه جدا ، والانسان ممكن يضيع فيها اذا ما كان عارف طبيعتها ، واذا ضاع صعب جــدا نلقاه ، واحنا فعلا حذرنا المدرس السابق وقلناله لا تبتعد عن سكنك وايد الا ومعاك دليل من أهل القريه ، لكنه ما سمع كلامنا ، وكان دوم يبتعد عن القريه ليما اختفى فجــأه عنها .. صحيح ان احنا بحثنـا عنه ، وبلغنــا عنــه الشرطة ، لكــن مثل ما قلتلك.. الاراضي هذي شاسعه جدا ويصعب البحث عن انسان وايجاده في فتره زمنيه قصيره .. هذا غير ان امكانياتنا محدوده جــدا .. وعدد السيارات قليل وما نسخدمتها الا بحركتنا من القريه للمدينة بيوم الاثنين والاربعاء من كـل اسبوع .



اتسربت قنــاعة محدوده لعقل ناصر ، لكن الشك ظل يراوده ، وشعر صالح بحكم خبرته بهذا ، لكنــه رســم ابتسامه واسعه على وجهه في محاولة لترطيب الجو وطمئنة ناصر ثم قال :

صالح : لا تخاف يا شيخ .. احنا مسؤولين عن أمنــك هنيه .. بس اهــم شي انــك تسمع كلامنا بدقـه ، واحنا بدورنا بنخلي عنــدك دليل من عدنــا ، بيحميك و يرافقـك بأي مكان اتحــب اتروحــه .



صمــت ناصــر لفتره قصيره ، قبل لا يقول بخفوت شديد :

ناصر : على خير ان شاء الله ..



التفت ناصر جهة مولود ورفع صوته وقال :

ناصر : يا الله يا مولود .. وصلني المدرسه ..و ..



قطع صالح بي كلام ناصر بقوله :

صالح : آآ .. بعد إذنك يا شيخ ناصــر .. احنا محتاجين مولود الحينه ضروري ، لكني ببعث معاك اثنينـه من صبياني ايوصلونك الين المدرسه ..



هــز ناصر راسه بتفهم وبدون ما يعلق ، ثم نادى صالح بي على صبيانه وأمــرهم بمرافقة ناصر لين مكــان سكنه ..



ودع ناصر الجميع بحراره ثـم اتحــرك لمغادرة مجلس صالح بي ، وعيون الجميع ترقب حركته ليما طلع من المجلس واختفى نهائيا عن انظارهم ..



وبعد لحظات من خروجه ، وبالمجلس ذاتــه ، التفت صالح بي جهة مولود ، وارتفع صوته المحمل بالغضب وصاح في وجه مولود بعنف وهوه يقول :

البي صالح : مولود .. انته شو سويــت؟!.. انته كيف اتخوف الريال واتخبره عن سالفة الشيخ اللي قبلــه ؟!



ارتبك مولود بشده ، واتعلثم بكلامه لما قال :

مولود : صدقني يا صالح بي انا ما قلتله شي .. هوه اللي عرف بنفسه ..



ارتفعت حواجب البي صالح وهوه يسأله باستنكار :

صالح : وكيف عرف السالفه بنفسه ؟!



بــلع مولود ريقه بصعوبه ثم قال :

مولود : الشيخ ناصر شاف أوراق الشيخ السابق محمد ، وشاف معاها ثيابه الجديده اللي كانت موجوده في دولابــه ..



اتسعت عيون صالح بي من الدهشه وهوه يقول :

البي صالح : أي أوراق ؟.. الاوراق كلها خذتها الشرطة بعد ما فتشت المدرسه ومكان سكن الشيخ السابق !



تضاعف ارتباك مولود قبل لا يقول بخفوت :

مولود : الاوراق اللي خذتها الشرطة هيه اوراق الاقامة ووثيقة السفر واوراق التعيين ، لكن الشيخ كان واضع محفظة نقوده داخل درج صغير في دولابــه الداخلي وفيها رخصة السوق وبطاقة المعالجة ، وعشان جذيه اكتشف الشيخ الحالي غيابــه ..



مسك صالح بي راسه في حسره وقال :

صالح بـي : أخ .. كيف فاتتنـا هذي النقطــة .. احنا ليش ما فتشنــا دولايب الشيخ محمــد كلها وفرغنــاها من محتوياتها ..



وبتوتر متزايد قال مولود :

مولود : الشيخ ناصر هذا ذكي ونبيه جدا ، وبنفس الوقت شكاك وايد .، هذا غير اسألته المفاجأة اللي اتخليك تعترف بأمور ما تبى اتقولها من الاساس وبعدين احنا ما توقعنا ان الشيخ السابق كان عنده محفظه موجوده في درجه الصغير الموجود بكبـته بعد ما عثرت الشرطه على اوراقه الثبوتيه المهمه .



تضاعف توترصالح بي وهو يحرك بصره بين الجميع ويقول :

صالح : والحل يا جمــاعه .. شو الحل ؟ .. انتوا ما تتصورن شكثر تعبــت ليما حصلت شيخ يقبــل بالقــدوم لقريتنا هذي .. خمس شهور كامــله وانا اراجع واركض في الوزراه واحاول اقنـع المسؤولين بارسال الشيخ هذا .. خصوصا ان الوزاره كان متخوفه من ارسال غيره بعد اختفاء اللي قبله ، وبعد محاولات شديده معاهم وافقوا انهم يرسلون غيره بشرط اني اوقع تعهد بحمايته والحفاظ عليه .. واذا الشيخ هذا راح عنــا ما بنحصل شيخ غيره يدرس عيالنــا .. احنا محتاجيله وايـد .. عيالنا محتاجيله وحرام نفقده مثل ما فقدنا اللي قبله و ..



قطع مولود كلامه وهوه يقول بصوت عالي :

مولود : يا صالح بي .. المنطقه المحظورة بعيده جدا عن الشيخ ناصر .. ولازم يقطع مسافات طويله ليما يوصلها .و ..



ها لمرة قطع صالح بي كلام مولود ، وقال بلهجه غاضبه :

صالح : نفس هالكلام قلناه يوم كان الشيخ السابق عدنا .. قلنا ان المنطقه هذيك بعيده عنه ، وما يقدريوصلها .. لكنه وصلها وصار اللي صار ..



انخفض صوت مولود وهوه يقول بصوت متوتر :

مولود : وليش ما انخبر الشيخ ناصر بالحقيقه عشــان يتجنـب هذيك المنطقـة ؟ .



وجــه صالح بي نظـره ناريه باتجاه مولود وارتفع صوته وقال :

صالح : غلــط .. غلــط .. اتريدنا انكرر نفس الغلطه اللي غلطناها مع الشيخ السابق .. انته نسيت ان احنا خبرنا الشيخ السابق بالحقيقه من أول يوم وصل فيه ، لكنه ما سمع كلامنــا ، ودفعــه الفضول لارتكاب هذيك الحماقه ، واستغفلنــا و راح المنطقه اللي طالما حذرناه منهــا وصار اللي صار .. الشيوخ هذيك عندهم فضول كبير ، ويتحرونا انكذب عليهم او نختلق اساطير عشان انخوفهم بها ، ولهذا .. الاحسن ان الشيخ ناصر ما حقيقة هذاك الشي ، واحنا بدورنا لازم نبعــده وبدون ما يدري عن هذاك المكــان وبأي طريقه كانت .. ومهمن كان الثمـن .



ارتفع صوت احد الرجال الموجودين بالمجلس ، فالفتت صالح بي ومعاه مولود لمصدر الصوت ، واللي كان مصدره مفتاح اللي قال بصرامــه :

مفتاح : تسمحلي ادخل يا صالح بي ، واقول رايي بها المسأله .



اطالعــه صالح بي بنظره طويله قبل لا يقول وهوه يعظ على كلمات حروفه بشدة :

صالح : اتفضل .. قول اللي عندك ..



التقــط مفتــاح نفس طويل ثــم قال :

مفتاح : انا برأيي ان الغلطه اللي سويناه مع الشيخ اللي قبله ، ان احنا ما قدرنا انسد وقــت فراغــه الطويل .و



قاطعه صالح بي بقوله :

البي : وقت فراغــه ؟!



هــز الرجل راسه ثم اتبعه بكلامه فقال :

مفتاح : هيه نعم يا بي .. انته عارف زين ان الشيخ رجــل غريب عنــا ، وما عنده لا اسره ولا بيت في هذي المنطقة ، ومن ينتهي ويخلص من حصصه ، يظــل وحيــد طول اليوم ، وها الشي ممكن يخليه يفكر باللي حواليه ، وتكثــر طلعاته ويحاول اكتشاف الاماكن البعيده المجهوله في قريتنا ، وهذا اللي صار فعلا مع الشيخ اللي قبلي ، وقت فراغه الطويل اتسبب في كثرة طلعاتــه ، ولما زادت طلعاته ، دفعــه الفضول للروحـة للمكان اللي طالمـا حذرناه منه ، وصاراللي كنــا خايفين منــه ..



صــمت صالح بي لفتره طويله وسبح بتفكيربعيد قبل لا يقول موجها سؤاله لنفس الرجل :

صالح : والحل .. شو الحــل برايــك ؟



كان الجواب حاضر عند الرجل اللي قال بهدوء شديد :

مفتاح : الحل الوحيد هوه محاولة الهاء الشيخ وســد وقت فراغــه بأي ثمــن ، يعني ما نخيله وحيد لفترات طويله ، عشان ما تكثر طلعاته ويقع المحظور .



اتساءل صالح بي بفضول متزايد :

صالح : وكيف نقــدر نلهيــه ونسد وقت فراغــه الطويل ؟!



وضع مفتاح يده على ذقنــه وسبح في موجــه عاتيـه من التفكير قبل لا يقـول :

مفتــاح : شوف .. احنــا ليش ما نسويله مكتبه صغيره في المدرسه ، ونشتريله كتب كثيره يتسلى فيها ويسد فيها وقت فراغــه بقرايتها .



استوعب صالح بي الفكره سريعا ثم اعقب ذلك بقوله :

صالح بي : فكــره معقولة جدا ..



التفت صالح بي جهة مولود ووجهله كلام حازم :

صالح بي : مولود .. من باجــر الصبح ، اتروح المدينــة ( غريان ) وتشتريلي كتب كثيره منــها ، ولا اقولك .. اشتري الكتب اللي في المكتبه كلها ، وقبل هذا.. اريــدك تشتري دولاب كبير واتحطــه في حجــرة النشاط في المدرســة عشان تضع الكتب فيه و .



قطع مولود كلامه وهوه يقول بارتباك واضح :

مولود : يا صالح بي ، انا ماعندي فلــوس عشان اشتري هذا كله ..



استشاط صالح بي غضبا ، وصرخ في ويه مولود بقوله :

صالح : يا متخلــف .. انـته ما بتدفــع شي من جيبــك ، انــا باتكفــل بكــل شي من جيبي الخاص .. هذا غير اني بعطيك اجرتــك على مجهودك هذا .. فهمت ..



ارتاح قلــب مولود ، وبدا بعض الارتياح وهو يقول :

مولود : مفهوم ..



التفت صالح بي جهـة مفتاح مره ثانيه وسأله باهتمام :

صالح : هاه مفتاح .. ما عنــدك مقترحات ثانيه بخصوص الشيخ ناصر ؟



هــز مفتاح راسه وقال :

مفتاح : هيه عنــدي .. انا اقترح ان احنــا نرسلـه يوميا وبوقت العصــر أفراد من قبيلتنا عشان يقعدون معاه ويسلونــه ، وبالليل ياريت اتكثرون من العزايم والولائم بحقه ، وبنهاية كل اسبوع يعني يوم الاربعاء ،لازم نرسله للمدينــه عشان ايغير جو ويرتــاح نفسيــا ..



مسك صالح بي ذقنه برفق وبدا يقلب كلام مفتاح في ذهنــه لفتره ثم قال :

صالح : فكره مقبوله جدا ، ومن باجــر بنفــذ كل اللي قلته ، وانا مستعد اسوي واعمل اي شي وادفع أي مبالــغ في سبيل بقـاء ها الشيخ عدنــا ..



حرك صالح بي بصره بين الجميع قبل لا يقول بصدق :

صالح : الشيخ ناصر.. ثروه ، وحرام يضيع عنــا مثل ما ضاع اللي قبلــه ..



ساد الصمت المكان بعد كلمة صالح الاخيره ، وتبادل الجميع نظرات صامته وهــم يفكرون بجدوى هذي الافكــار ..

وهل ستحمي المدرس الجديد من اخطــار الماضي ..

واسراره ..



****************************************

***************************************



في اليوم الثاني ، وبعد نهاية الدوام ، اتفاجأ ناصر بسياره نقل كبيره تحمل في صندوقها الخلفي دولاب كبير وكتب كثيره ، وشاف ناصر الحارس مولود وهوه نازل منها بهدوء واللي صرخ بدوره وقال :

مولود : مرحبا شيخ ناصــر ..



وبهدوء شديد رد عليه ناصر :

ناصر : مرحبا ..



القــى ناصر نظره خاطفه على الكتب المحمله بالسياره وقال :

ناصر : مولود .. شو ها الكتب الكثيره اللي بالسياره .



ابتسم مولود بوجه ناصر وقال :

مولود : هذي هديــة صالح بــي لك يا شيخ ناصر .. صالح بــك حبك من أول ما شافك ، وماهــان عليـه يخليج بروحك بدون انيس ولا ونيس ، فقال بشتريله كتب كثيره عشان يتسلى فيها وبنفس الوقت يستفيد منها ، ومثل ما يقولون خير جليس في الزمان كتاب ..



اندهــش ناصرمن كلام مولود وثقافته المفاجئه وقال :

ناصر : انته من وين عرفت ها المقوله ؟.. خير جليس في الزمان كتاب !! وانته بايـن وواضح من شكلك انـك ما فتحت كتاب واحد طول حياتـك ؟!



ابتسم مولود بخفه وقال :

مولود : انته نسيت ان ولــدي الكبير علي يدرس معاك في المدرسه ، ومن كثر ما سمعته يردد ها الجمله في البيت.. حفظتها ..



اتسعت ابتسامه ناصر ثم قال :

ناصر : الله ايخليلك ولدك يا مولود ، وفعلا ولدك علي شاطر ونبيه .. بس اليوم ما داوم .. شو سالفته ؟



اتغير وجـه مولود وبان عليه بعض الضيق ثم قال :

مولود : ولدي علي مريض اليوم ، وان شاء الله بيطيب باجر وبيداوم ..



شاركـه ناصر مشاعره لما قال :

ناصر : لا.. سلامته ، واذا ما قدر ولدك ايداوم باجــر لا تجبره .. اهــم شي صحته ، والدروس اللي فاتته تتعوض ، وانا ممكن اقعد معاه بعد الدوام وادرسه كل اللي فاته ..



القى ناصر نظره ثانيه على السياره ثم قال :

ناصر : المهم .. وين بتحطون هالكتب .



جاوبه مولود بسرعه :

مولود : في غرفــة النشاط ..



هــز ناصر راسه بتفهم وقال :

ناصر : احسن مكــان .. يا الله.. باشروا شغلكم .. ونزلوا الكتب .. وعقب هذا .. ابيـك تشكرلي صالح بي وقوله يقولك الشيخ ناصر تسلم على الهديه القيمة هذي .



بدأ مولود ومعاه سائق السياره في انزال الكتب ووضعها في المكان المخصص الها في غرفة النشاط ..



بينما ذهب ناصر لغرفتــه ونــام فيها ، وما صحى الا وقت العصر ..



وبعد ما صحى من النوم ، ذهـب مباشرة لمكتبة الكتب ولاحظ انها جاهزه بالكامل ، وبدأ بقراءة اول كتبها ، وفعلا.. التهى ناصر كليتا بقراءة الكتب ، ونسى تقريبا او تناسي سالفة اختفاء ذلك المدرس ، وشغل بالــه في عالم ثاني ..عالم المعرفة و الثقافه ..

وهوه غير مكترث نهائيا بأي خطــر حواليه ..

قريبــا كــان أو بعيــد..



***************************************

**************************************



مضى اسبوع كامل على وجود ناصر بتلك القريه ، وكان يقضى اكثر اوقاته في مكان سكنه ، يقرأ الكتب ويحضر دروسه ، وما يخرج من غرفته الا وقــت العزائم من طـرف زعيم القبيله او احد افرادهــا ، أو الذهاب للمدينة المركزيه ( غريان ) .. او حتى التمشي احيانا برفقة احد اهالي القريه .



وفي مجلس صالح بــي ، وبزوايه بعيده من هذا المجلس ، جلـس صالح بـي مع مولود لوحدهم لمناقشــة آخــر التطورات في سالــفة الشيخ ناصر ، ولحظتها بدأ مولود بالكلام وهو يبتسم بفرح وغبطه :

مولود : اطمــن يا صالح بي .. الفكرة نجحت تماما ، والشيخ ناصر نسى كليتا سالفه المدرس السابق .. وشغـل عمره بالكتب ، و اهــل القريه ما مخلينه يختلي بنفسه يوم واحد .. كل يوم عزائم وزيارات وآخــرالاسبوع انوديــه رحله مجانيه لمدينة ( غريــان ) .. والشيخ ما يطلع من مكان سكنه الا ما نــدر .. وكل ما يطلع اتكون عيني لــه بالمرصاد ..



اتسعت ابتسامة صالح بي وهوه يضرب على كتف مولود برفق ويقول :

صالح : والله ريحتني بكلامك هذا يا مولود .. اهــم شي انــه نسى السالفه ، والاهــم انــه ما يتحرك كثير عشان يبعد عن المنطقة المحظوره تماما .. بس مع هذا .. ما ابغي عينك اتغيب عنــه .. فاهــم .



وبصرامــه وثقـه قال مولود وهو يضغط على حروف كلماته بقوه :

مولود : اطمن يا صالح بي .. دام ان حارسك الامين معاك .. لا تحاتي ابــدا ..



التفت صالح بـي جهـة بقعــه بعيده من المجلس ثـم قال بصوت خافت :

صالح بي : اتمنى الامــور تمشى مثل ما نبى ونشتهي .. اتمنى هذا ..



صـمت الاثنين بعد كلمته الاخيره ، قبــل لايستأذن مولود بالمغادره من المجلس تاركــا خلفــه صالح بــي اللي تقاذفتـه مشاعـر متباينه ومختلفه وحتى متناقضه .. الراحه والاطمئنان من جهة .. والقلق والخوف من المستقبل من جهــة أخــرى ..



وبنفس الوقــت اللي طلــع فيــه مولود من مجلس صالح بــي ، كان ناصر جالس في غرفــة النشاط بالمدرسه ، وهوه كالعاده .. منهمــك في قراءة كتاب.. والكتاب هالمره كان عن مبادىء الثورة الفرنســية .. لكنــه ما استكمل قراءة الكتاب ، ووضع علامـه على الصفحه اللي وصلها ، ونهض من على كرسي مكتبه ، ووضع الكتاب في أحد رفوف المكتبه على أساس انـه يقراها في وقت لاحــق ، ورجــع مره وجلس على كرسي المكتب ، وفتح درجه وطلع منــه دفتر تحضير الدورس والكتاب المدرسي ، وفتــح الكتاب المدرسي ليستخرج منــه عدة اهداف وأفكار عشان يدونها في دفتر تحضيره الدرسي ، لكنــه لقــى صعوبه كبيره هذا ، لان الدرس ما كان منظــم بالشكل المطلوب في الكتــاب ، وافكاره غير متناسقه وحتى متناقضه احيانا ، ولحظتها .. تمتم ناصر بينه وبين نفسه بضيق و بصوت هامس وهوه يقول :

ناصر : شو ها الحالة .. ما يعرفون يألفون وينظمون منهــج عــدل مثل الناس ؟ .. انا كيف بدرس الطلبــه باجر ؟



اتلفت ناصر حوله وكأنــه يبحث عن شي يساعده ، ثم انتابته نوبة تفكير قصيره قبل لا يقوم من مكــانه ويذهب لقاعة الفصل الدراسي الملاصقه لغرفه النشاط ، ودخلهــا بهدوء عشان يبحث عن مذكرات سابقه ممكن اتفيده في تحضيره ..



وبعد لحظات من البحث في درج المكتب الصغير في قاعة الفصل ، وجد ناصر مذكرات صغيره فيه ، لكنه ما وجــد في المذكرة ما يفيد ، فرماها على الطاوله بشكل هستيري ، واستمر في بحثه عن مذكرات ثانية ليما وقع بصره على دفـتر تحضير دروس مستعمل ، ولما فتح الدفتر اكتشف انـه دفتر المدرس السابق ، لانه الاسم كان مدون عليه ، وكان الدفتر مرتـب بالفعل ومنظــم والدورس محضره فيه بشكل ممتاز ، ولحظتها .. حمل ناصر الدفتر ورجع مره ثانيه لغرفة النشاط ، وبدأ ينقــل بعض الاهداف المرتبطه بموضوع درسه لغاية ما استكمل تحضيره على أكمــل وجــه .. وبعدها.. شعرناصر بارتياح نفسي شديد لأنـه انتهى من عمــله بنجاح .. ثــم بدا يقلب اوراق دفتر التحضير بتلقائيه ويـمـر مرور سريع على صفحاته ، ليما وصل للصفحه الاخيره اللي في العاده اتكون عباره عن ورقــه فاضيه ، وكان على وشك انه يغلق الدفتر نهائيا قبل لا يتعلــق بصره بشدة بكلمـات مكتوبه بخـط اليـد على الصفحه الاخيره وكانت اتقول :







انفجرت عيون ناصر من فـرط الدهشه وهوه يكرر الكلمات السابقه بينه وبين نفسه :

ناصر : إنــي أرى ضوءا خافتــا غائرا خلف الجبل الكبير البعيد ، لقـد قررت اليوم الذهــاب إليــه واكتشاف ما بباطنه من أسرار .. أسرار الماضي ..



فــز ناصر من مكانه بعنف وهوه يحرك بصره بكل الاتجاهات ويقول :

ناصر : شو سالفة الجبل الكبير البعيد هذا ؟ وأي اسرار هذي اللي يتكلم عنها المدرس السابق ؟ ومتى سارهذا الجبل ؟ وشو صارله هنــاك ؟



اترددت كل ها الاسئله كالاعصار في ذهــن وكيان ناصر ، ثــم اتحرك بخطوات واسعه وفتح الباب ، وحــرك بصره بين الجبال البعيده المحيطه بالمكان ، قبل لا يثبــت بصــره على جبل كبير وبعيد موجود في نهاية القريه تقريبا .. الجبل اللي يوجـد خلفـه منطقة صحراويه.. جرداء.. واسعة .



وبعد لحظات من الدهشه والترقب ، لمعت عيون ناصر بفكره مجنونـه ، و دب الحماس والفضول بشدة بقلبــه ، وسرت موجــه من التحدي والاصرار في كيانه كلــه ، وقرر لحظتها وبدون تفكير زائــد ، انه يروح بنفسه وبها اللحظة لهذي المنطقه واكتشاف كل ما خلفها من أسرار ..

أسرار الماضي ..



وتستمر الاسرار في الجــزء الثالــث



##########################################



أسرار الماضي __ الجزء الثالث

______________________

استعــد ناصر وحشد كل همــته من أجل الذهاب لتلك المنطقة .. خلف الجبل الكبير البعيد.. ووضــع في بالــه وتصوره التوقيت المتوقع لبدايــة هذي الرحله .. وبالتحديد بعد صلاة العشاء تقريبا ، عشان يتستـر بظلام الليل ويخفي فيــه تحركاتــه ..



استخرج ناصر من حقيبته الكبيره ، حقيبه ثانية صغيره قابله للحمل بسهوله ، ووضع فيها بعض الاشياء المتوقع احتياجــه لها في طريقــه ، مثل غرشــة أو قارورة الماء الصغيره ، وخنجــر صغير قد يستعمله في حماية نفسه وقت الضروره .

وحمــل في يــده اليمنى المصباح الكهربائي الصغير اللي يعمل بالبطاريه واللي اشتراه في وقت سابق من المدينة .. مدينة (( غريــان )) في روحاتــه الماضيه لهذي للمدينة ..



وبعد ما اكتملت استعداداته النهائية ، اتحرك جهـة الباب ، وأول ما اقترب من البــاب ، أتــاه صوت مولود من الخارج ، وهوه يصرخ بصوته المعتاد المزعــج ويقول :

مولود : شيــخ ناصر ..



امتعض وجــه ناصر ، وتمتم بكلمات بسيطه بينه وبين نفسه في ضيق فقال :

ناصر : أف .. هذا وقتــه .. هذا شو يايبنــه الحينــه ..



ارتفع صوت ناصر شويه وقال :

ناصر : نعــم .



أتــاه صوت مولود بسرعة وهوه يقول بحماس واضح :

مولود : شيخ ناصر .. صالح بــي يريـدك الحينه .. وهوه ينتظرك في مجلســه ، ومجهــزلـك وليمــة دسمه و ..



قطــع ناصر كلام مولود بقولــه :

ناصر : مولود .. انــا ما قادر اطلع اليــوم ..



عــقد مولود حواجبه وهوه يسأل :

مولود : ليش ؟!



فـتح ناصــر الباب بهدوء شديد وهو يخبي الحقيبه وراء الباب ويقول:

ناصر : لأنــي اليوم .. حاس بتعــب شويه ، وما قادر اتحــرك من مكــاني ، وبعدين عنــدي تحضير طويل لدروس باجــر ، وبعدني ما بديــت فيه ..



صمــت مولود للحظات وظــل يطالع ناصر بنظرات شــك خفيفه ثم قال :

مولود : اذا اتحس عمرك تعبــان ومريض بنحضرلك الطبيب لين هنيه و ..



لــوح ناصر بيده بعلامة النفي وقال :

ناصر : لالا .. ما يحتاج .. هذا تعـب عادي .. انته الحينه اتوكــل ، واعتذر بالنيابه عني لصالح بــي .. انزين ..



حــرك مولود فمــه يمين ويسار ثم اتبعه بقوله :

مولود : حاضــر .. يبلغ ان شاء الله .



صمــت مولود لحظة ثــم قال :

مولود : انا مروح الحينه .. ما تامرنــا بشي ..



رسم ناصر ابتسامه مصطنعه على وجهه وقال :

ناصر : سلامــتك ..



استدار مولود للجهة المقابلة ، ومشى في طريقــه لقلــب القريــه ، بينما ظلت أنظــار ناصـر اتابعــه ليما اتلاشي نهائيا عن بصره ، ومع هذا .. انتظر ناصر دقائق اكثر خوفــا من عودت مولود المفاجأه ، ولما أطمن نهائيا لرحيل مولود ، أطفــأ نور ( الفنـر ) او المصباح الغازي ، وحمــل بيـده اليمنى المصباح الكهربــي الصغير ، ووضع الحقيبـة على ظهــره ، وخرج من الغرفة بهدوء وحذر ، وعيونــه تتحرك في جميع الاتجاهات ، وترصــد كل حركــه قريبه منــه ..



مشــى ناصــر وهوه يقطع المسافات برشاقــة وليونــه ، وكان يتحرك بمحاذاة القرية ، ويتجنب الدخول في عمقها عشان ما ينتبه احــد الاهالي لحركــتـه هذي ، وظــل يمشي لمسافات طويله اكثر بكثير مما كان يتوقع ، والظاهر ان منظـر الجبل الكبير خدعــه بقربــه بينمــا المسافه الحقيقية بعيده فعلا ، ويشعر ناصر ببعدها مع كل خطوه يخطيها باتجاه هذا الجبل ، واللي زاد من بعد الجبل حركــة ناصر الدائرية و الجانبية حول هذي المنطقه وتجنبه الدخول في أعماقها .



استمرت حركــة ناصر لفترة طويلــة .. لكنـه اتوقف في مكانــه بغتـه بعد ما شعر بوجود من يراقبه ، وبحركه سريعه وحاده ، استدار ناصر للخلف وبدا يحرك المصباح الكهربي المحمول بيده بكــل الاتجاهات عشان يحدد شخصية وهويـة من يتبعه ، لكنــه ما وجد اي شي غير طبيعي .. وبعد لحظة ترقب وحذر .. قرر ناصر متابعة مسيرتـه واعتبار هذا الاحساس مجرد خــوف طبيعي ينتــابه بسبب ظلمــة الليل ووحشـة المكان ، رغــم انــه متعود وبحكــم طبيعته البدويه على ارتياد امــاكن اوحش منها بكثير .



استأنف ناصر مسيرته ، وقطــع مسافه لا بأس بها ، والجبل اصبح على مقربــة كبيره منــه ، ومع كل خطوه يخطيها ايزيد حماسه بالوصول لهدفـه بأسرع وقت ممكن ..



وفجــأة .. سمع ناصــر اصوات غريبه جايــه من خلــفه ..

كانت الاصوات مخيفه وعاليه ، ومجرد سماعها يكفي لاثارة كل الفزع في القلوب ، فما بالــه لو شافها بالفعل ، وبحركة لا ارداية .. استدار ناصر للخلف بعنف ، ووجـه المصباح اللي بايده باتجاه مصدر الصوت ، ليقـع بصره على مجموعة من الضباع المتوحشــة ، اللي كانت تتطالعه بعيون شرســة ووتهيأ للانقضاض عليه بأي لحظة ، لكنها وبحكم طبيعتها ، قاعــدة تفحص الخصم عشان اتحدد افضل طريقه للقضاء عليه ..



أمــا ناصــر .. فكان في موقف لا يحســد عليه .. وشعر برجــله وكأنها مغروسة في الأرض .. لكنــه حاول تهدئــة نفسـه والتحكــم بأعصابه لمواجهة هذا الموقف المرعــب أمــامــه ..



في البدايــة .. فكــر انـه يركض ويهرب ، لكنه ما لبث أن استبعد هذا الحل لأنـه يدري ان الضباع أسرع عنــه ، ومع أول حركه ايقوم فيها ، بتنقض عليـه بسرعـة رهيبه .. وحتى الخنجــر اللي عنده ما بيكون لـه فائده تذكر ، فحتى لو واجـهم و قضى على واحد منهم ، بتتولى البقيــه أمــرافتراسـه والكثرة تغلب الشجاعه ..



ولحظتها.. تمتم ناصر بينه وبين نفسه بخوف شديد :

ناصر : شو ها الورطـة اللي حطيت ووضعت نفسي فيها .. انــا ما اتخيل جسمي وهوه يتقطع بمخالب ها الوحوش العفنـة .. وياريــت يقطعوني وبس ... هذيلا ما بيخلون فيني عرق صاحي .. بينتفوني مثل اللحم المفروم ..و..



وفي غمـرة خوفه وارتباكه ركــز ناصر ببصره فيهم ، فلاحظ انهم ضبعين كبار ، بالاضافــة لخمسة ضباع اصغر منهم ، وهنيه .. فهم ناصر ان الضباع هذي عباره عن عائلـة مكونه من الوالدين والابناء الخمسة ، صادفهم ناصر أو وضعهم القدر في طريقه ... وبها اللحظة همس ناصر بينه وبين نفسـه بتوتر شديد :

ناصر : شو ها الحــظ العاثر .. الظاهر ان العائله هذي طالعه تتمشى وتتعشى بــرع ، وحظي المقرود وضعني بطريقهم ، وبكون انــا سهرتهم الحلوه الليلــه .



اقترب الضبع الأكبر من ناصر وهوه يطالعه بنظرات ناريه ، بينما بقت الضباع في الخلف وهيه تتحفــز و تترقب الموقف ، وكأن الضبع الاكبر قاعد وبحكم خبرتـه يستكشـف الضحية قبل الفتــك فيهــا ..



ومع كـل خطوه يخطيها الضبع الاكبر .. كان جسم ناصر وفرائصه ترتعد اكثر ..

وتفكيــره اصبح.. شبه منعدم او حتى مشلول ..

بعــد ما انقطعت كل السبل في نجـاتـه من مصير بشع ..

بشــع للغايـــه ...



*****************************************

****************************************



في مجلس صالح بــي ، قعــد رجال القريــة وهــم يتسامرون ويضحكون ويسولفون عن احوال القبيله ، ويناقشون آخــر ما استجد فيها من أحداث ، واثناء هذا .. ارتفع صوت احد الرجال الجالسين على يمين صالح بــي فقال :

الرجل : لو تسمحلي يا صالح بي .. اني عندي اقتراح بسيط ممكن يساعد في تطويــر اقتصــاد قريتنــا ..



تبادل صالح بـي مع الرجــل نظره قصيره ثم سأله باهتمام شديد :

صالح بــي : اقتراح شو يا ابراهــيم ؟



رد عليه ابراهيم بكل احترام وبلهجه رزينــه :

ابراهيم : انا اقترح يا صالح بي ، ان احنا نشتري كسارات حديثــه بدل الكسارات القديمه الحاليه الموجوده عنــدنــا ، وبها الطريقه بنقــدر انضاعـف انتاجنـا من الاحجــار ، وبنزيــد ارباحنا وبيعــم الرخاء على كافــة اهــل القريــة .



وضــع صالح بــي يده على ذقنــه ، وفكر لفتره ثم اعقبها بقوله :

صالح بي : اقتراح معقول ، لكن المشكله ان الآلات الحديثــة ثمنهــا غالي جــدا ، وامكانياتي وامكانيات اهل القريه محدوده و .



قطــع ابراهيم كلامه برفق وقال :

ابراهيم : يا صالح بــي .. مب ضروري ندفــع ثمنها بالكامل .



رفــع صالح بـي حواجبه بدهشه وسأل :

صالح بي : كيف يعني ؟ بنشتريها بنصف ثمنها مثلا ؟!



ارتسمت ابتسامه خفيفه على وجــه ابراهيم وقال :

ابراهيم : انــا ما قلــت جذيــه .. انا قصــدي.. ان احنــا انمــول شراء الآلات عن طريق شركة تمويل او بنــك تجاري ، يعني انروح للمدينة ونتفاوض مع الشركة او البنك على تمويل شراء الالآت.



حــرك صالح بــي فمــه يسره ويمنه قبل لايسأل ويقول :

صالح بي : وشركة التمويل او البنــك ، ما بيطلبون ضمــان مقابل تمويلهم لعمليــة الشراء ؟!



هــز ابراهيم راسه بايجاب وقال :

ابراهيم : شي طبيعي يطلبون ضمان ، لكن الضمان موجود ومتوفر في حالتنا هذي ، لان الآلات بتكون مرهونــه للشركة او البنــك لغايــة تسديد كامل ثمنها ، واحنــا في البدايه بندفــع ربــع ثمن الآلات كدفعه أولى والباقي بنسدده أول ما تشتغل الآلات واتحققلنا ارباح كبيره .



بدا اقتراح ابراهيم منطقي عنــد صالح بي ، ولهذا .. ابتسم ابتسامه خفيفه وقال :

صالح بــي : كلامــك معقول جدا يا ابرهيم ، واحنــا ان شاء الله بندرس اقتراحــك زين ، وبنصدر قرارنا النهائي في اجتماع رجــال القبيله القادم ان شاء الله و ..



قبل لايكمل صالح بي كلامه ، انفتح باب المجلس ، ودخل منه مولود اللي الــقى سلامــه على الجميع ، وقعــد في المكان المتعود الجلوس فيه ، قبل لا يبادره صالح بــي بسؤال سريع ويقول :

صالح بي : مولود .. وين الشيخ ناصر ، انا ما قلتلك اتخبره اني عازمــنه على العشاء اليوم .. ولا كالعاده.. نسيت اتقوله .



ارتفع صوت مولود وهوه يقول بكل عفويه :

مولود : لا والله ما نسيت .. انا رحتـله قبل شويــه وخبرتــه ، لكنــه اعتذر و قالي انــه تعبــان اليوم وما يقدر يحضر العزيمــة .



فــز صالح بي من مكانه ، وارتفع صوته وهوه يقول :

صالح بي : تعبان ؟! الشيخ ناصر مريض وتعبان ؟! وليش اتخليه بروحــه وهوه بها الحالــة ؟!



ارتبك مولود شويه وهوه يقول :

مولود : انــا سألته اذا يريد طبيب ، لكنــه رفض وقال ما يحتاج و..



قطع صالح بي كلامــه بقوه وقال :

صالح بي : لالا مايصير .. احنــا لازم نطمن عليه ، وانــا بنفسي بروحله الحينه وبطمن عليه..



مشى صالح بـي ليما وصل لمولود وقال بانفعال متزايد :

صالح بي : يا الله... تعال معاي انروحــله الحين .



حرك مولود راسه بايجاب ، بينما التفت صالح بي جهــة الرجال القاعدين بالمجلس وقال :

صالح بي : عن اذنكــم يا جمــاعه ، انــا بروح اطمــن على الشيخ ناصر وراجعلكم مره ثانيه ..



رد عليه احد الرجال وقال :

الرجل : تروح وترجع بالسلامــة .. سلــم على الشيخ ناصر وطمنا على أحوالــه لما ترجــع .



ما علق صالح بي على كلام الرجل ، وانطلـق على الفور مع مولود باتجاه المدرسه اللي ايقيـم فيها ناصر ، وهم ظانيـن انــه موجود في المدرسه ..

وما كانوا يدرون ان ناصر الحينه ، قــاعد يواجــه خطـر كبير ..

كبير جــدا ..



********************************

*******************************



استنفـر ناصر كل عضلات جسمــه ، وكل خليه في مخــه لمواجهــة ذلك الموفــق الخطير اللي امــامــه ، وكلما اقترب الضبع اكثر كلما تحفـز واتهيأ ناصر اكثر لقتاله وهوه ممسك بالخنجر بيده اليمني ويستعد للدفاع عن نفسه رغــم يقينه بعدم فايده هذي المحاولــة ، لكنــه ما بــغي ايكون فريسه سهله بيد هذا الضبع وعائلته ..



وفي الوقت اللي هيــأ ناصر نفسه لقبول مصيره .. مهمن كان .. كان عقــله الباطني يقلــب ويدور في سجلات ذكرياته القديمه والحديثه في محاولة يائسه للبحث عن مخرج لمصيبته هذي ، وبعد لحظات سريعه من البحث السريع ثبت عقله واستقـر تفكيره عنــد ذكــرى قريبه .. والذكرى هذي عباره عن جمــله خاطفــه سمعها بالصدفه من أحد زملاءه المدرسين الليبين لما كان يعمــل في المدينــة، والغريب ان الجمله كانت موجه لمدرس ثاني وناصر سمعها بالصدفه وظلــت راسخـة بعقله الباطني ، واستعاد ذكراهــا بغته لانها ناسبت تماما الموقف الي وجد نفسه فيه ، وكانت الجمله اتقول ( إذا شــفـت الضبـع استمــوت ) ..



ظلت الجمله هذي .. اذا شفـت الضبـع استمـوت .. تتردد في ذهن ناصر عشرات المرات وبـدأ مخــه يحللها بسرعه خياليه فائقه ، ليوصل لا ستنتاج مفاده ان هذي الجمله ما قيلــت الا من واقــع تجربــه عاشها بعض الاشخاص اللي مروا بمواقف شبيهـه من قبل .. واستخلص عقله في النهاية ان الضبع يبتعد او اتعاف نفسه الاموات .. لكن ناصر ظل متشكك بصدق هذي الجمله من خطـأهـا ، خصوصا ان المخاطره بتصديقها ممكن اتكلفه حياتــه ...



ولهــذا .. احتار ناصر واتردد في تنفيذها .... لكنــه ما لقـى خيــار ثاني غير القيام فيها .. ونقطـة امــل في بحر من اليأس ، خير من انعدامـه نهائيا ..



وبحركــة سريعة .. رمــى ناصر نفسه على الارض ومــدد جسمه بالكامل ، وغمض عيونــه وخفض من انفاسه لاقصى حــد ، وهوه يتظاهــر ويتصنـع الموت .. لكنــه شعــر بمن يقترب منــه في بطـىء ، فازداد خفقان قلبــه ، وبذل ناصر مجهود كبيره لمنع جسمه من الارتعاش ..



اقترب الضبع اكثر ، واصوات خطواته تصل لمسامع ناصر .. وبعد لحظات قصيره لكنها مريـرة ، شعر ناصر بأنفاس حارة تلفـح وجهه ، فأدرك على الفور انها أنفاس الضبع ، ولحظتها كـتــم ناصر أنفاسه نهائيا عشان يقنع الضبع انــه فعلا ميت ..



.. وبعد ثواني بسيطه ، شعر ناصـر بجسم رطــب يلامس خدوده ، فادرك ان الجسم هذا هوه لســان الضبــع ، وبدت تتسرب لانــف ناصر رائحــة كريهه ، مصدرها لعــاب الضبع ، فلاعــت كبــده ، لكنه قاومــها باستماتــه واشتـد تصلبــه على الارض وكتمانــه لانفاسـه حتى شعر باختنــاق شديد باعماق صدره ..



وبعد لحظات مرت كدهــر ، انتهى إحساسه بأنفاس الذئب ولســانه ، لكنه ضبط نفسه شوي ، قبل لا يأخــذ نفس قصير جدا ، وسمع بأذنـه خطوات خفيفه خمـن ساعتها انها خطوات الضبع وهوه يبتعد عنــه ، لكنــه ما فتح عينه وظل على حالــه هذا لدقايق طويله عشان يبتعـد الضبع عن مكانــه لمسافة كافيه ..



وبعدها .. فتــح ناصر عيونه بحذر .. وحرك راسه ببــطء يمنــة ويسره ، قبل لا يرفع جسمه ، ويحرك بصره بكل الاتجاهات ، ثـم اطلق من صدره زفــرة ارتياح طويلة وهوه يقول بكل صدق :

ناصر : الحمدالله ..



اتلفت ناصر حواليه ، وشاف حقيبته الصغير المرمية على الارض وبجانبها الخنجر ، والمصباح الصغير اللي مازال والـع ومضوي .. ولحظتهــا بس .. عرف ناصر الخطــأ القاتل اللي وقع فيــه واللي هوه .. ضوء المصباح الكهربي .. لأن ضوء المصباح الكهربي واللي كان دايما مفتوح طول ما كان يتحرك هو اللي جعل حركته ومكانه مكشوف في وسط ظلام الليل الشديد ، وهوه اللي جذب انتباه الضباع وخلاهم يلاحقونــه .. ولهذا .. مسك ناصر المصباح واطفأه على طول .. وقرر انه يعتمد على ضوء القمــر الخافت مهمن كان قليل .. لكنـه ظل متردد ما بينه وبين نفسه بالرجوع لمكان سكنــه او اكمــال طريقــه .



وبعد لحظة تفكير طفيفه .. قرر انه يكمل طريقه .. لان المسافه اللي تفصله على المنطقة المطلوبة قليله جــدا ..



وفعـلا .. تــابع ناصر طريقه باتجاه هذيــك المنطقة .. وقــطع مسافات معقوله قبل لا يوصل لبقعــه تقــع بمحاذاة الجبل تمامــا ، ولحظتها .. اخــذ ناصر لفــه كبيره حول الجبل عشان يتجنب ركوبه , ورغــم طول مسافة الالتفات والدوران لكنها ارحم من ركوب الجبل بكل ما فيها من مخاطر ..



واخيــرا وصل ناصر لخلف الجبل ، ووقـف .. وامتــد بصره بكل اتجاهات عشان يفحص المكان بدقــة ، لكنه ما وجــد غير منطقة جرداء صحراوية تمتــد على مرمى البصر ، وكل شي فيها كــان عــادي جدا وما يــدل على وجود شي غير طبيعي بالمـرة ، ومع هذا .. اتحــرك ناصر باتجاه هذي الارض لا ستكشافها بدقـة اكبــر ..



واثناء مشيه البطىء على الارض .. سمع صوت مفاجىء وعالي يناديه من خلفه ويقول :

مصدر الصوت : ويــن رايـــح ؟



استدار ناصر بحركه سريعه جهة مصدر الصوت ليقع بصــره على وجـه رجــل ضخـم بايــن من شكله انه في الاربعينات من العمـر ..

وبها اللحظــة تبادل ناصر مع الرجــل نظرات طويله ومتفحصــة ، وظــل الرجـل جامــد في مكانه بصمــت ، ويطالع ناصر بنظرات صارمــة وحازمــه .. وطال صمتهم وترقبهم قبل لا يقطعه ناصر بقولــه :

ناصر : منــو انتــه ؟ وبأي حــق تسألني ها السؤال ؟



ما ظهــر أي انفعال على وجــه الرجل وهوه يجاوب ناصر ببرود شديد :

الرجل : انــا اسمي احمد ومن أهــل هذي القرية ، وانا كنـت مــار بالصدفه وشفتــك وانــته رايــح باتجاه هذي المنطقة ، فلحقتـك عشان احذرك من الروحه الهــا ..



رفــع ناصر حواجبه لأعلى في دهشه ، قبل لا ينزلها مره ثانيه ويقول :

ناصر : اتحذرني ؟! اتحذرنـي من شوه ؟!



طال صمــت الرجــل هالمرة ، وبان عليه التردد لكنــه جاوب ناصر بهدوء وبرود وقال :

الرجـل : مب شرط اتعرف .. ارجع من مكــان ما جيت وبس .



ارتسمت على شفاه ناصر ابتسامه خفيفه وقال :

ناصر : حلوه هذي ارجع وبس .. انتي اتذكرني بكلام ابوي لما كان يخوفني وانا صغير و ..



قطع الرجل كلام ناصر بشده وبان عليه الانفعال لاول مره لما قال :

الرجل : انــا قتلتك ارجع وبس .. عشان سلامتـك.. لازم ترجع .



التفت ناصر جهـة الارض الممتده امــامه ثـم رجع ببصره مره ثانية جهة الرجل وهوه يقول بلهجــة ساخره :

ناصر : واذا ما رديت .. شو بتسوي يعني .



احتـقن وجــه الرجل ، وبدا يحرك يده في توتر ويقول :

الرجل : ما بسوي شي .. بس انته ما مدرك عواقب روحتك لهذا المكان .



اتسعت ابتسامة ناصر وهوه يقول بدون مبالاة :

ناصر : وشو بيصيرلي يعني ؟!



صمــت الرجل ، وما علق على كلام ناصر ، وظل فتره طويلة على صمتـه ، ولهذا ارتفع صوت ناصر وهوه يقول :

ناصر : اسمعني زيــن .. يا إنــك اتخبرني ســر ها المنطقه ، يا امــا بسيرها الحينه ، وما فيـه قوة بتمنعني من الدخول فيها.. فهمت ..



سرت موجه من التوتر في جسد الرجل ، وبدا التردد واضح على ملامحــه ، لكنــه استمر في صمــته وحيرته ، وهنيه .. استدار ناصر جهـة المنطقه وبدا يتحرك بالفعل لولا سماعه لصوت الرجل من خلفه وهوه يناديه ويقول :

الرجل : لحظـة شويــة .



استدار ناصر مره ثانيه جهة الرجل ثم قال بكل هدوء :

ناصر : نعــم .



اتردد الرجــل كثير قبل لا يقول بصوت خافت :

الرجل : شوف .. انــا بخبرك بالسالفــة كلهــا بس بشرط انــك اتصدقني بكل كلمــه اقولها لــك .. وترجع من حيث ما ييت.



رفـع ناصر يده اليمنى ومسك ذقنه برفق ، وفكر للحظة ثم قال :

ناصر : انــته قــول وانــا بحكــم .



استــاء الرجــل من رد ناصــر ، وحــرك شفايفــه بعصبيه وهوه يقول :

الرجل : ما عليه .. عشان مصلحتك وسلامتـك بقولك السالفه كلهــا ، بس ركــز بكلامي عدل وافهمــه زين ..



هــز ناصر راسه بايجاب بدون ما يلـعـق ..

ولحظتها .. بدا الرجـل بســرد الروايــة ، ومـع كل كلمه ينطقها كانت عيون ناصر تتسع اكثر واكثر من الدهشه والعجب ..

لان الكلام اللي يقوله الرجــل .. عجيب ..

عجيــب فعــــلا ..



*******************************************

******************************************



أول ما وصل صالح بي وبرفقته مولود لمكان سكن ناصر ، لا حظوا انطفاء النور في الغرفــة ، ولحظتها نطــق مولود وهو يتمتم ببعض الحروف :

مولود : الظاهر ان الشيخ ناصر نايــم الحينه.



صمت صالح بي لحظة وهوه يركــز بصره على غرفة ناصر ثم قال :

صالح بي : حتى لو كان نايم ..لازم نطمن عليه .. واحنا ما بنطول عنده اكثر من دقايق بس ، ولا تنسى انــه ريال غريب يعني لو طاح ومرض فعلا.. محد بيدري عنــه.



بعــد كلمة صالح بي الاخيره ، اقترب مولود من الباب ، وطرق عليه بخفه ، وانتظــر لفتره ، ثم طرق عليه مره ثانيه لكن بدون أي رد أو جواب ، فارتفعت حواجب مولود وهوه يقول :

مولود : غريبه .. ليش ما يفتــح البــاب ؟!



اقترب صالح بي من الباب وطرق عليه بنفسه ، لكن النتيجه كانت وحده ، وهنيه... انفعل صالح بي وهوه يقول بتوتر وقلق :

صالح بي : مولود .. يمكن الشيخ مريض ولا صايبنه شي .



انتقـلت علامات القلق لملامح مولود وهو يقول :

مولود : والله ما ادري ... الصراحه .. هدوء الغرفه.. هدوء مريب .



تضاعف القلق عنــد صالح بـي ، واتلفت حواليه ثم رجع ببصره لمولود وقال بانفعال متزايد :

صالح بي : انتــه ما عنــدك مفتاح سكنــه ..



هــز مولود راسه بايجاب وقال :

مولود : هيه نعم .. انــا عندي مفاتيح المدرسه كلها بما فيها سكنه هذا و ..



قطـع صالح بي كلامه بانفعاله الحاد لما قال :

صالح بي : وشو تنتظــر .. يا الله ا فتح الباب بسرعه خلنــا نطمــن على الريــال .



وبسرعه كبيره ، مــد مولود يده اليمني لجيبه الايمــن وطلــع منــه رزمــة مفاتيح مشبوكـة مع بعض ، وظــل يدقق فيها عشان يختار منها المفتاح المناسب ، وبعد ما انتهى من هذا ، مسك المفتاح المناسب وادخله في فتحــة قفل الباب ، وفتح الباب على عجــل ، ودخـل الغرفــه وتبعه صالح بــي ..



في البداية .. ما شافوا شي لان الغرفــه كانت مظلمة جدا ، وبعد ما اتكيفت عيونهم مع الضوء الخافت في الغرفــه بحيث قدروا يشوفون المشاهد الرئيسية الكبيره في الغرفــه اكتشفوا غياب ناصر عنها ..



ومباشرة ركـض مولود جهـة المسبح الصغير ، وفتحه .. فوجده خالي تماما والتفت مره ثانيه جهة صالح بي وقال بكل انفعال :

مولود : الشيخ ناصــر مب موجود ؟؟



صرخ صالح بي في وجهه بقوله :

صالح بي : مب موجود .. وين سار يعني ؟



بــلع مولود ريقه بصعوبه ثم قال :

مولود : والله ما ادري ..



اتلفت مولود يمنة ويسره ثم تابع كلامه وقال :

مولود : يمكن راح لغرفة النشاط عشان يقرأ بعض الكتب ، او راح الفصل الدراسي عشان يحضر دروسه ..



اتحرك مولود بسرعه جهة الفصل الدراسي وتبعه صالح بي ، ودخلوا على عجــل ، لكن النتيجه ايضــا كانت وحده .. ولحظتها اتفجرت صرخه عنيفه في حلق صالح بي وهوه يقول :

صالح بي : مصيبه .. مصيبه .. هذا اللي كنت خايف منــه .. الشيخ ناصر ضاع منــا .. ضاع منــا ..



شعر مولود بسيل عارم من القلق يجتاح كيانه ، لكنه حاول انــه يتماسك ويطمئن صالح بي فخفض من صوته واتظاهر بالهدوء وقال :

مولود : يا صالح بــي .. هدي نفسك شويه .. الشيخ ناصر بخير ان شاء الله .. اتلاقيــه طلع يتمشى بــرع وبيرجع بعد شويه .



صمــت صالح بــي للحظات ، ثــم وضــع اياديه الثنتين على راسه وقال بأسف واضح :

صالح بي : حــد يتمشى بها الليل يا مولود ؟



اقترب مولود من صالح بي ومسك كتوفه من الخلف وهوه يقول :

مولود : لا تخــاف يا صالح بـي ، هذيــك المنطقة بعيده عنــه ، وما اعتقد بيقدر يوصلها او يتجرأ انــه ايسيرلها وسط ظلام الليل المخيف خصوصا اني حذرتــه من الضباع اللي يكثر تواجدهم في الليل .



أنزل صالح بي أياديه من على راسه ، والتفت جهــة مولود ، وانخفض صوته كثير وقال :

صالح : والحــل .. شو الحل الحينه يا مولود ؟



اتــركزت عيون مولود بعيون صالح بــي للحظة قبل لا يقول بلهجــة هاديــة في محاولة لبث الاطمئان بنفس صالح بي :

مولود : ما النــا غيــر الانتظــار .. الانتظــار وبس .. بننتظره ليما يرجع .. واذا مضت ساعات طويله وما رجــع .. وقتهـا .. بنرجع لمجلس القبيله وبنطلب مساعدة الرجال للبحث عنــه .



نكـس صالح بــي براسه للارض ، وبـدأ يدرس كلام مولود ويقلبه بعقله ، ثم رفع راسه مره ثانيه وقال بصوت خافت :

صالح بــي : على قولــتك ... ما عندنا شي انسويـه حاليا غيــر الصبر .. بنصبر وامرنا على الله ..



ساد الصمــت المكان بعــد كلمة صالح بــي الاخيره ..

وظلوا يتبادلون نظرات الصمت الحائره ..

والقلق ينهش بقلوبهم خوفا على مصير الشيخ ناصر..

وعلى حياتــه ..



***************************************

**************************************



بدأ الرجــل يروي حكايــة هذا المكان ، في الوقت اللي وظـف فيه ناصر وسخر كل جوارحه واحاسيسه لاستيعاب كلام الرجــل الغريب اللي بدأ كلامــه بقوله :

الرجل : انـتــه عارف زيـن ان ليببا اتعرضت للاستعمار الايطالي لسنوات طويله .



حــرك ناصر كتوفــه وقال ببساطه :

ناصر : طبعــا .. و الاستعار الايطالي كان متركز على السواحل الشماليه لليبيا .



هــم الرجل انـه يتكلم بس ناصر سبقه لما تابع كلامه وقال :

ناصر : بس شو علاقة الاستعمار الايطالي اللي انتهى من سنين طويله بسالفــة هذا المكان .



حــرك الرجل يــده وكأنه يطلب من ناصر التمهل وقال بهدوء :

الرجل : لحظــة شوي .. وبتفهم كل شي بعد شويه ..



التــقط الرجل نفس قصير ثم تابع كلامه وقال :

الرجل : كلامــك صحيح .. الاستعمار الايطالي كان متركز على السواحل الشمالية الليبية ، وتواجــده في الاماكــن الداخليه كان قليل ومحدود ، بما فيها هذي القريه ، يعني القريه هذي ما كان لقوات الاحتلال او حتى المستوطنين الايطالين وجود الهم فيها ، لانها منطقة نائيه وقليلة الموارد .



صمــت الرجل للحظه ثــم تابــع تقليب صفحات الماضي وقال :

الرجل : وفي عــام الف وتسعميه واربع واربعين ( 1944 ) ، مـرت بالصدفــة فرقــة استكشافيه إيطاليه لهذه القرية ، واثناء حركتهم بأطراف القرية ، شافـوا بعض من حريم وبنات القريـة ، ولحظتــها أخـذ بعض من أفراد الفرقــة بعضهم بالتحرش بتلك النسـوه ، فما كان من النسوه الا أن هربــن بسرعه ، وخبروا أهالي القريــة بهذي الحادثة ..



امــتد بصر الرجل جهــة القريه البعيدة ثـم ارتفع صوته وقال :

الرجل : واهل القريه معروفين بحميتهم ، وغيرتهم الشديده على حريمهم ، وما يرضون بكلمة وحدة على نسوانهم ، حتى لو دفعوا في سبيل ذلك حياتهم .. وفعلا .. اتجمع الاهالي كلهم وقرروا مهاجمـة هذي الفرقه ومسحها من الوجود ..



التفت الرجل جهــة المنطقة الممتده امــامــه وقال :

الرجل : وبهذا المكــان اللي حذرتك من الدخول فيــه .. حصلت المواجهة بينهم ، ودارت معركــة عنيفه جــدا بين الفرقة الايطالية وأهالي القرية ، لدرجة ان الفرقــة ابيــدت كلها ، وقتــل جميع أفرادها بلا استثـنـاء ، وفي المقــابل مــات الكثير من اهــالي القريــة في المعركــة البطولية هذي ..و



قطــع ناصر كلامــه وهوه يسأل باهتمام :

ناصر : وشو علاقــة المعركة اللي جرت على هذي الارض ، بمنــع الدخول الهــا ؟! .. المعارك الشديده جـرت في بقع كثيره من الارض .



تبادل الرجل مع ناصر نظره طويله واتردد كثير قبل لا يقول بصوت خافت اشبــه بالهمـس :

الرجل : صح كلامــك .. لكن اشباح القتلى لازالوا موجودين في هذي المنطقـة .



اتسعت عيون ناصر على الآخــر ، وظل يتلفت يمين ويسار قبل لا يرجع ببصره للرجل ويقول بكل عجب :

ناصر : شووه ؟؟ أشبــاح ؟؟



هــز الرجـل راسه بحركه سريعه وقال :

الرجل : هيه.. اشباح .. اشباح الناس اللي شاركوا في المعركة هذي ، وانته باين عليك متعلم ومثقــف واكيد عنــدك اطلاع بهذي الأمور .



اتسعت عيون ناصر اكثــر وهوه يقول بدهشة عارمـة :

ناصر : اشباح الناس اللي شاركوا بالمعركــة ؟! انـا ما عندي أي علم فيها ؟ ممكـن اتوضحلي مقصودك اكثر .



التــقط الرجــل نفس طويل ، ونكس بعيونه للارض وبدا يسرد ويشرح بكلمات مطولة مغــزى كلامه السابق فقال بصوت مقتضب وجامد :

الرجــل : هـناك الكثير من الروايات حول ظهور الاشباح في الأماكن اللي وقعت فيها معارك ، ويسمونها اشباح المعارك ، ويتم مشاهدتها على أنها اكثر من شبح واحد ، ومن المشاهدات المعروفه المعركة اللي جرت بين مجموعة من الاشباح الاغريق والفرس على سهول المارثون* وهي اقدم المعارك بين الاشباح في التاريخ ... ومن المشاهدات الثانية ، كانت في عام ( 1851 ) ميلادية بعد هزيمة ( نابليون ) في معركة واترلو ، بحيث شاهد الناس في بلجيكا ، تمثيليـة شبحيـه لنفس المعركة ، فاشباح الفرسان شوهدت وسمعت أصوات المدافع في السماء في ميدان المعركة .. ومن المشاهدات الثانية المهمــة بعــد ، كانت في شهر آب من عام ( 1951 ) ، حيث أفاقـت سيدتان في الشاطىء الشمالي لفرنسي بفعل اصوات البنادق وهجوم الطائرات ، و كانت هذي الاصوات عبارة عن أعادة تمثيل شبحي للغارة التي شنها الحلفاء في شهر آب على نفس المكان عام 1942 . ** (( حوادث عالميــة مسجلــة )) **



قطع ناصر كلامه بعنف وهوه يقول باستنكار شديد :

ناصر : شو ها السخافات اللي اتقوليها يا ريال .. تبى تقنعني ان اشباح المحاربين القدامــي ظلـت تسرح وتمــرح بها المكان طول ها السنين ؟؟



بدا الضيق واضح على وجــه الرجل وهوه يقول :

الرجل : بعد كل الكلام اللي قلتلك اياه .. ما مصدقني .. الروايات هذي.. روايات مسجله في كتب عالمية .



ابتسم ناصر وهوه يقول باستهزاء :

ناصر : ومنــو قالك ان كل ما يكتب بالكتب يكون بالضرورة صحيح .. اتلاقي الكاتب مالك هذا ، حب انــه يشهر وينشر كتابه فاخترعله كــم سالفة عشان ايروج كتابه ، وباين على الكاتب أنــه من كتبة ما وراء الطبيعة بأفكارهم وخيالهم السخيف.



تضاعف الضيق عند الرجل وقال بانفعال متزايد :

الرجل : لا تحكــم ببطلان الشيء لمجرد أن عقلك ما مصدقنه .



اتوقع الرجل اهتمام ناصر بملاحظته الاخيره ، لكن ناصر فاجأه بضحكه طويله ســاخره وهوه يقول :

ناصر : اسمعني زين .. انــا ريال بدوي .. وياما لفيت صحاري وبراري وجبال ، وعمري ما شفت لا شبح ولا خياله ولا حتى ظلـه .. الكلام هذا انقوله حــق اليهال والاطفال عشان انخوفهم من الطلعه بـرع .



اتقاطر الضيق من وجه الرجل وهوه يقول :

الرجل : انــا هدفي انــي احذرك و..



قطع ناصر كلامه بضحكه مستفـزه وهوه يقول:

ناصر : اتحذرني !! اتحذرني من شوه ؟! .. وحتى لو صدقت كلامــك الفارغ هذا .. شو بتسوي فيني الاشباح يعني ؟



رمقــه الرجل بنظــره صارمه وقال :

الرجل : الاشباح هذي ممكن اتضرك .. يعني ممكن تخطفك مثل ما خطفت اللي قبلك .



اشتدت ضحكـات ناصر الساخره اكثر وهوه ماسك بطنه ، والرجل يطالعه بعصبيه متصاعده ، وأول ما خفت ضحكة ناصر شويه قال :

ناصر : خلاص .. ما اقدر اتحمل .. بطني عورني من الضحك .. اشباح تخطف الناس .



هـدأ ناصر شويه ثم انفجربموجه ثانيه من الضحك وهوه يقول :

الضحك : الظاهر ان الاشباح عندكم مسوية عصابة قطــاع طرق ، يخطفون الناس ويطالبون بفــديه مقابل الافراج عنهــم .



تضاعف غضب الرجل ، وشعر بأهانــه شديده من استهزاء ناصر المتواصل ، فما ما كان منــه الا ان رفع صوته وقال بكل انفعال :

الرجـل : ما اتوقعت ان عقلـك صغير لها الدرجــة .



اتجاهــل ناصر كلامــه نهائيا ، والتفت جهــة المنطقــة الواسعه اللي امامــه وقال :

ناصر : اللي في الجدر يطلعــه الملاس .



ما فهم الرجل معنى كلام ناصر فسأله بكل اهتمام :

الرجل : أي جدر وأي ملاس ؟!



استمرت ضحكات ناصر وهوه يقول :

ناصر : يعني التجربــة خير برهــان .



اتحــرك ناصر بعد كلمته الاخيره جهة المنطقة الممتده امــامه ، وكانت حركته سريعه جدا وهو يخطو على الارض بخطوات واسعه ، لكنه سمع صوت الرجل من خلفه ايقول بتوتر وقلق شديد :

الرجل : تعال .. وين رايــح .. ارجع ما مجنــون .



ما سواله ناصر أي اعتبار ، بينما انطلقت ضحكات ساخرة من بين شفتيه وهو يقول بكل استهزاء :

ناصر : ما عليك .. انــا رايــح التقــط صور تذكاريــه مع اشباحــك .



استمرت ضحكات ناصر الساخره ، وعيون الرجل ترقبه من بعيد ، ومشى ناصر مسافات اطول بدون ظهور أي بوادر غير طبيعية ، ولحظتها وقف ناصر بمكانه والتفت صوب الرجل وصــرخ بأعلى صوته وهوه يقول من بعيد :

ناصر : شفت كيــف .. كلامك كلــه تخريــف .



استدار ناصر مره ثانيه للجهة الثانية وتــابع طريقه بسرعه كبيره ، لكنــه فجأه.. اتسمر واتجمــد في مكانــه .. بعد ما تناهي لمسامعــه مجموعة اصوات غريبــه ..



اتلفـت ناصر حواليه بذعــر وحيره ، يمين وشمال.. وفي كل الاتجاهات ، لكنــه ما شاف ولا لمــح أي شي على الاطلاق ، والاصوات كلما وترتفع اكثر ..



ركــز ناصر بدقــه في طبيعة الاصوات اللي كانت مخيفه جدا ، وأشبه باصوات أسود تزئـر .. وبعد لحظات بدا يسمع اصوات اطلاق نــار من كل الاتجاهات ، واصوات ناس تصـرخ وناس تحتضـر وناس تتعـذب وناس تطلب النجــدة وكأنــه موجود في قــلب معركــة جرت من سنين ويعيش كــل احداثها لحظة بلحظة ، وبدون ما يشوفها ... لكنه يسمعها وبكل وضوح ..

وهذا معناه.. ان كلام الرجل كان صحيح تمــاما ..

وانه موجود فعلا في قلب معركــة جرت من سنين طويله ..

معــركه اطرافها مجموعة اشباح يعيدون نفس احداثها ..

و لحظتها ..عجــز عقل ناصرعن إيجاد سبب منطقي لهذا الشي العجيب ..

واصداء المعركــة مازالت تترد بعنف في مسامــعه ..

المعركــة اللي ما الها أي وجـــود الا في الماضي ..

وأســـراره ...



وتستمر الأســرار في الجزء الرابــع ...



_________________________________________________

________________________________________________



** معركة الماراثـــون :

كانت المعركة التي جرت بين مجموعة من الأشباح الأغريق والفرس على سهول الماراثون ، هي أقدم المعارك بين الاشباح في التاريخ ، ولقد شوهدت مباشرة بعد فوز الإغريق في معركة (( الماراثون )) الحقيقية عام 469 قبل الميلاد ..



صور تخيلية لمعركة اشباح الماراثون ..







#######################################



اســـــــرار الماضـــــي ... الجـــزء الرابــــــــــع ...



***************************************



كانت للمفاجأة أثــرها الكبير على ناصــر اللي عجــز عقلــه عن ايجاد تفسير منطقي ومعقول للحدث الغريب اللي مــر فيــه ، والاصوات العجيبه لازالت تتردد في مسامــعه ..



وبدون وعــي ، وبلحظــة خوف تلقائيــة، اطلــق ناصــر العنـان لرجلــه وجــرى بأقصــى سرعــته او حتى اكثر ، وظــل يجري ويجــري ، والاصوات تتردد في ذهنــه رغــم انها انقطعت عن مسامعه بعد ما ابتعـد عن دائــرة تواجد الصوت في هذي المنطقة الغريبه ..



استمــر ناصر في الركـض .. فجــرى لمسافات طويله لــم يسبق لــه قطعها من قبــل بها الوقت القصير ، وما انقطع عن جريه الا لــما هــده التعب واعياه الارهاق ، فخــر على الارض وهوه يلهث بشدة ، وانفاسه تتردد بصعوبــة كبيره .. وبعد ما التقـط ناصر انفاســه استعاد شيء من هدوءه وتكفيره ، ووقــف مره ثانيه ، وتــابع طريقه بهدوء باتجاه مكــان سكنــه ..



دارت الافكــار في مخيلتــه مثل الاعصــار ، وظــل يسأل نفسه ألف سؤال وسؤال .. ليش بقــت ها الاشباح طول ها السنين بنفس المكان ؟ .. وشـو هدفــها من خطــف الناس ؟ .. وليش ما خطفتــه مثل ما خطفــت غيره ؟.. ولا الاشباح تنتقـي وتختــار اللي يدخــل مزاجها ويشبع رغباتها ؟! ..



ظلت هذي الاسئلة تتردد في ذهــن ناصر لغايــة ما وصــل لمكان سكنــه ، والارهاق والتعــب بــلغ عنده حــده ، لكنــه وقف بغتـه ، واتركزت انظاره على الغرفــه في دهشه واضحه ، لانـه لاحــظ ان نورها ضاوي ، وهذا معناه وجود اشخاص فيها على الرغم من تأكده التام انــه اطفاء النور قبل لا يغادرها .



مســك ناصر قفل الباب ، واداره بسرعه ليتفاجأ ان الباب مفتوح ، ثــم دخــل للغرفــة بسرعه ليقــع بصــره على صالح بــي وبجانبــه مولود ، وهــم يطالعونه بنظرات دهشــه قبل لا يقطعها صالح بــي بصوته العالي وهوه يقول بلهفه واضحه :

صالح بي : شيخ ناصــر .. انتــه ويــن كنت؟ .. خوفتنــا عليك والله..



التــقط ناصر انفاسه بصعوبة ، وتبادل مع صالح بي نظره قصيره ثم قال بصوت انسان متعب ومرهق :

ناصر : انــا طــلعت اتمشى شويه و ..



قطع صالح بــي كلامه وهوه يقول بهلجه حازمـة :

صالح بي : يا شيخ ناصــر .. احنــا سبق وحذرنــاك من الطلعه بالليل لان المنطقة وايــد خطــرة .



شعـر ناصر بدوار براسه ، فما كان منـه الا أن القــى بجســمه على السرير القريب منــه ، ولحظتهــا حس صالح بي بالارهاق اللي يعاني منه ناصر ، فاقترب منــه وسأله بتوتر وقلق :

صالح بي : شيخ ناصر .. شو فيك ؟ .. انته مريض .. انييبلك طبيب ..



حــرك ناصر راسه بصعوبه وقال بعفويه :

ناصر : لالا ما يحتاي .. انــا تعبان من كثر ما ركضت .. انا جريت لمسافات وايد طويله .



ارتفعت حواجب صالح بي في دهشه وهوه يسأل :

صالح : مرهق من الجـري!! .. وليش تركض ها المسافات الطويله بها الليل ؟!!



انتبــه ناصر لزلــة لســانـه ، فصمت فتره لاستجماع بعض من افكاره ، وفي النهايــة غمض عيونــه وقال بصوت خافت :

ناصر : اثنــاء ما كنت اتمشى على اطراف القريــة ، لمحــت من بعيد مجموعة من الضباع فخــفت منهــم وجريــت على طول ، وما شفت عمري الا وانــا هنيه عنــد سكني ..



تبادل صالح بــي مع مولود نظــرات حيره وشــك ، ثــم اتحرك صالح بي ليما وصل عنــد ناصر ووضــع ايده اليمنى على جبين ناصر وقال :

صالح بــي : الحمدالله .. ما فيك حراره .. بس يا شيخ ناصر .. احنــا اكدنــا عليك وبنظل انأكــد اكثر .. لا تطلــع بالليل بروحــك .. المنطقــة مليانــه مخاطر ووحوش .. نترجــاك انــك تسمع كلامــنا .. ولأنــا انحبك وانخاف عليك .. انقولـك هذا الكلام..



هــز ناصر راسه بتفهم وقال :

ناصر : وانــا اعترف انــي غطان .. بس انــا كنت ملان شويه فقلت بتمشى شويه عشان اغير جـو واكســر الروتين اليومي ، وما كنت ادري ان البقـعه هذي خطـيره لها الدرجــة .



مســح صالح بي على راس ناصر برفـق لبــث الطمأنينه بنفسه وقال بلهجة حانية :

صالح بــي : واحنــا شو فايدتنــا هنيه .. احنــا مسخرين كل امكانياتنا لخدمــتك والسهــر على امنـك وراحتك .. وعشان جذيــه لازم تسمع كلامنــا عــدل ، واذا سمعته بنضمنــك اتعيش براحه واطمئنان طول ما انته موجود بوسطنــا هنيه .



التــقت عيون ناصر بعيون صالح بــي قبل لايقول الاول بصدق :

ناصر : وانــا اوعــدك .. ومن اليــوم ورايــح.. اني ما اخطي شبر واحد بــرع سكني الا بمشورتكــم ، او تحــت حمايــتكم .



ابتسم صالح بــي من كلام ناصر وقال :

صالح بي : وهذا اللي نبــاه منــك ..



رد عليه ناصر ببتسامه مماثله وبدون ما يعــلق بكلمه وحــده ، ولحظتها نهض صالح بــي من مكانــه والتفت جهة مولود وهوه يقول بحزم :

مولود : يا الله يا مولود .. خلنــا انروح .. الشيخ ناصر محتاج للراحه ..



نفــذ مولود الامــر بسرعه ، واتجه مباشرة للباب ، بينما التفت صالح بي مره ثانيه وسأل ناصر بصوت خافت :

صالح بي : ما تامرنــا بشي يا شيخ ناصــر ؟



هــز ناصر راسه بالنفي وهوه يقول :

ناصر : مشكور .. خيرك سابق ..



ارتسمت ابتسامه خفيفه على شفاه صالح بــي قبل لا يستدير جهة الباب ويغادر الغرفه وخلـفه مولود ، بينما غمـض ناصر عيونــه وغــرق في سبات عميق جدا من أثر التعب والاجهاد والارهاق ..



بعد ما خــرج صالح بــي من عند ناصر ، انشغل عقــله بمحاولة تصديق الكلام اللي سمعه من ناصــر ، لكن الشك ظــل يداهــم تفكيره ، ويثيــر خوفــه وقلقــه ، وهنيــه التفت صالح بــي جهة مولود اللي يسير بجنبه ثم قال بلهجة هاديه ما تخلو من الحيره والقلق :

صالح بي : ما ادري ليش .. مخـي ما راضي يصدق السالفه اللي قالها الشيخ ناصــر ..



وبقلــق مماثـل رد عليه مولود :

مولود : حتى انــا .. ما مصدق السالفه .. وصراحه .. كلام الشيخ ما دخل راسـي بالمره خصوصا انـه مبيـن من تعبه وارهاقه انــه جرى مسافات طويله مب مجرد جري عادي لما شاف مجموعة الضباع اللي ظهرتلــه بطريقــة .



أثارت كلمات مولود الاخيره زوبعة من القلق والحيره بنفس صالح بي ، لكنــه ما علــق على كلام مولود ، وتــابع طريــقه باتجاه قلب القريه ..

بينما التهــى وانشغل عقلــه في البحث عن تفسيرمقبول لاسباب غياب ناصر عن مكــان سكنــه ...

وهو يحاول استبعاد فكره ذهابه لذاك المكان من عقلــه ..



******************************

******************************



في اليوم الثــاني .. اتوجــه ناصر كالعادة للفصل الدراسي لاستقبال الطلبه والبدء في يوم دراسي جديد .. ومع انــه باشـر وبشكل طبيعي تدريس الطلبة لكن عقــله بقــى مشغول بما حدث لــه بالأمــس ، ولمــا حــس بصعوبة تدريس الطلبــة بالشكل الصحيح ، طلــب منهم مغادرة المدرسه بحجة انــه مرهـق اليوم ، وعلى اساس انهم يرجعــون باجــر ويستكمـل معاهم دروسه ..



وبعد ما انصرف الطلبة من المدرســة ، طلــع ناصر للخارج ، ورفــع راسه فوق ، وكـز بصره بالسمـاء الصافيه المنارة بشمس دافئه من فوقه ، ثــم حــول بصــره جهــة الجبل الكبير البعيد ..



قــرر ناصر لحظتها انــه ينسى او يتناسى سالفة هذا الجبــل ، ويطــرد من تفكيـره ما جراله البارحــه ، واعتبار الحدث الأمسي وكأنــه لــم يكــن ، عشان ايريح مخــه واعصابه من اجهاد فكري ما منــه فايــده ، خصوصا ان المسأله اكبر من قدرة عقلــه على استيعابها وادراكها وتدخل في نطاق الغيبيات او ما وراء الطبيعــة ..



نكـس ناصر ببصره للارض ، وحــرك راسه يمنة ويسره وكأنه يرغب في نفـض غبار هذي السالفه نهائيا من تفكيــره ..



واثناء وقفة ناصــر في الهواء الطلــق ، سمع صوت شاب صغير يناديه ويقول بصوت خافت :

الشاب : شيخ ناصــر ..



التفت ناصر جهة الشاب ، والتقت ابصارهم لثواني ، ثـم ارتفع صوت ناصر شويه وهوه يقول :

ناصر : نعــم .



اقترب الشاب اكثر من ناصر ، ثــم فتح فمــه واتكلم باحترام مشوب بالخجل :

الشاب : انــا علي ولــد مولود يا شيخ ناصر .



تبادل ناصر مع الشاب نظره قصيره قبل لايقول :

ناصر : ادري انـك علي ولــد مولود .. انــا طلابي اعرفهم كلهم... وحافظ اشكالهم وأساميهم زين .



تقدم الشاب خطوه ثانــيه وقال بصوت خافت بالكاد يسمعه ناصر :

علي : انــا امس كنــت غايب و.



قطع ناصر كلام الشاب وهوه يأشر بيده ويقول :

ناصر : ادري ادري .. وابوك قالي انــك كنت مريض البارحــه .



هــز علي راسه في حياء وقال بصوت متقطع :

علي : هيه... كنت مريض امــس .. بس اليوم.. انا زين .



اقترب منــه ناصر ليما وقف امامه مباشرة وقال :

ناصر : لا سلامتـك وما تشوف شـر ان شاء الله .



صمـت ناصر شويه ثم سأل علي باهتمام :

ناصر : علي .. انته ليش ما رحــت البيت مثل بقية زملائـك .



رفــع على الكتاب اللي بيده وهوه يقول بلهجـة مهذبـة :

علي : لو سمحت يا شيخ .. بغيـتـك اتفهمنــي الدرس اللي غبــت عنه البارحــه .



بدت علامات الاعجاب على وجـه ناصر لسلوك علي وادبـه الجــم ثم قال :

ناصر : اكيد باسمح يا علي .. وأي معلومــة او نقطــة ما تفهمها .. تعالي على طــول .



مســك ناصر يــد علي وسحبه وهوه يقول :

ناصر : يا الله .. تعال معاي غرفــة النشاط عشان اشرحلك الدرس كــله .



مشى ناصر وخلفــه علي ليما دخلوا غرفة النشاط ، وباشــر ناصر في شرح الدرس السابق لعلي واللي استوعبه بسرعه مدهشه ، واول ما انتهى ناصر من شرحه قال :

ناصر : ما شاء الله عليك ، استيعابك وايد ممتاز.. حرام اتكون بالصف الاول وانـته بها العمــر ، اللي في سنــك الحينـه يدرسون بالاعداديه .



حرك علي كتوفه بأسى وقال :

علي : شو اسوي يا شيخ .. التعليم وصـل قريتنا متأخـر جدا .



وضــع ناصر يده على ذقنــه ثم قال :

ناصر : شوف .. انــا بكتب تقرير للوزارة وبقولهم انــك طالب متميز وذكائـك ممتاز ، وبها الحالة ، ممكن يجــرولك اختبار لقياس قدراتـك ويرفعونك لمستوى اعلى ، ويوصلونك لصف متقدم يناسب عمرك .



اتهلل وجــه على من الفرح وقال بنشوه واضحه :

علي : مشكور يا شيخ وما تقصـر ، وهذا جميل ما بنسالك اياه طول عمــري .



ابتسم ناصر وهوه يطبطب على كتف علي برفق وقال :

ناصر : لا جميل ولا شي .. الطالب المتميز يستحق وضعه في المكـان اللي يناسبـه .



اتسعت ابتسامة علي ، ثم قــام من مكانــه وقال بكلمات سريعه :

علي : عن اذنـك يا شيخ .. انــا بروح العب مع ربعــي هناك .. وراء الجبــل .



جذبت كلمة علي الاخيره اهتمام ناصر فسأله بعفويه :

ناصر : تلعبـون وراء الجبل الكبير البعيد .



ارتفعت حواجــب علي وهوه يقول بدهشة :

علي : لا .. احنــا نعلب وراء الجبل الصغير الموجود بأول القريــة .



صمــت ناصر شويه ، ثـم وجــه سؤاله لناصر :

ناصر : وليش ما تلعبون وارء الجبل الكبير البعيد .. المنطقة هناك واسعه وبرحــه .



اتسربت موجــة من الارتباك لعلي وهوه يقول :

علي : لالا .. ما نقــدر انروح هنــاك ..



وقــف ناصر بمكانه ، ومسك كتوف على الواقف امــامه ، ووجه نظره صارمه وهوه يقول :

ناصر : وليش ما تقدرون اتروحون هنــاك .



ازداد ارتباك علي ، لكنه جاوب بعفويه صادقه :

علي : لأن المنطــقة هذي...



صمــت علي بعد كلمته الاخيره ، مما دفـع ناصر لرفع صوته وهوه يعض على حروف كلماته :

ناصر : لانها شــوه ؟!



بــلع على ريقــه بصعوبه ثم قال :

علي : المنطقة هذي محرمــة علينــا ..



ارتفعت حواجب ناصر وهوه يسأله بدهشة :

ناصر : محرمــة ؟ .. وليش محرمــة يعني ؟؟



نكس علي براسه للارض ، لكن ناصر مسك راس علي ورفعه بقوه وهو يقول :

ناصــر : انته تقصد انها محرمه لان الاشباح تظهر فيها وتختطف الناس منها ..



فتــح علي فمــه للحظة ، ثــم حـرك عيونه باتجاهات مختلفه وهوه يقول بصوت خافت مرتبك :

علي : ومنــو قالك ان الاشباح تخطــف الناس في ذاك المكان ؟



عاجله ناصر بجواب سريع :

ناصر : مــب مهـم كيف عرفت ، بس انتــه قولي.. شو اتعرف عنهـا ؟ وكيف تختطف الناس هناك ؟



صمـت علي لثواني قبل لا يرفع صوته شوي ويقول :

علي : احنــا سمعنـا فعلا قصص كثيره لاشباح موجوده بذاك المكان او غيره ، لكــن الاشباح عمرها ما خطفت ولا آذت الناس في ذاك المكان ولا غيــره .



اتسعت عيون ناصر من الدهشة وقال :

ناصر : الاشباح ما تخطف ولا تأذي حــد ؟؟ .. عيل .. منو اللي يخطف الناس في ذاك المكــان ؟!



شعر ناصر بكتف علي وهوه يرتجـف بين اصابعه ، ولحظتها مسك ناصر يـد علي وقعداه بالغصب على الكرسي وهوه يقول بحزم شديد :

ناصر : ارجوك يا علي .. اذا كان عندك علــم .. قولي شو سالفة الناس اللي ينخطفون بهذي المنطقة ، دام ان الاشباح بريئه من خطفها .



بــلغ التوتر مداه عند علي ، واتلعثـم بالكلام وهوه يقول :

علي : بخبرك بالسالفة كلها مثل ما خبرتني المرحومـه جدتـي بها .. بس الله ايخليك ..لا تخبر ابويه اني خبرتك .



هــز ناصر راسه بحركه سريعه وقال :

ناصر : لا تخاف .. ما بخبره بشي .



صمــت علي لفتره ، وحرك بصره بجميع الاتجاهات ثـم قال :

علي : مثل ما قلتلك .. الاشباح الموجوده هناك ما تضر حــد .. مجرد اصوات تنسمع بذاك المكــان .. لكن المشكلة هيه المغارة او الحفرة الموجوده هنــاك .



اتساءل ناصر بدهشة :

ناصر : حفــره ؟ مغاره ؟ ..



جاوبه علي بعفويه وصدق :

علي : اول ما تنزل من الجبل الكبير ، بتمشي على ارض صحراوية جرداء ، وبعــد ما تقطع مسافه معينه ، بترجع مره ثانيه لارض صلبه وهيه خليط من الصخور والرمال و ..



قطع ناصر كلامه وقال :

ناصر : طبيعي .. لان المنطقة هذي خليط ما بين الارض الجبيله والصحراوية ..



تــابع علي كلامــه وهوه يقول بتوتر :

علي : وبعد ما توصل للارض الصلبه ، بتلاحظ وجود مغاره او حفره كبيره او خلنا انقول وادي عميق يمتد لابعاد سحيقه في الارض ..



حرك ناصر كتوفه وهوه يقول :

ناصر : وحتى وجود هذي الحفر والمغارات الارضية طبيعي جدا ، ومنطقتكـم هذي مليانه بالحفر والصدوع والمغارات اللي يمتد بعضها لاعمــاق الارض ، واللي اتكونت بفعل الحركات الباطنية الارضية .



هــز علي راسه وهو يقول :

علي : صحيح كلامــك .. لكن الحفـرة هذي غيــر ..



اتساءل ناصر بفضول واهتمام :

ناصر : كيف يعني غيــر ؟!



اتصبصب العرق من جبين علي ، ثم اتكلم بصعوبة وقال :

علي : الحفــرة هذي .. تبلــع الناس لباطن الارض .. يعني تسحب وتبلع كل اللي يقترب منها .. وعشان جذيــه يقولون انهــا الشيطان مقيم فيها ، واي حد يقترب منــه يسحبه على طول ..



اتسعت عيون ناصر على الآخــر ، وغرق في لحظة صمت قصيره ، لكنـه ابتسم في النهاية وقال :

ناصر : يا علي .. كل الكلام اللي سمعته تخاريف وسخافات .. يعني الشيطان ما حصل غير حفره عشان ايقيم فيها ؟! .. الشيطان موجود معانا في كل مكان وزمان ، والظاهر ان اهــلكم بغــوا ايخوفونكـم عشان ما تقتربون من الحفره واطيحــون فيها ، فاخترعولكم سالفه الحفره اللي تبلع هذي عشان يبعدونكم عن الخطــر ..



ارتفع صوت علــي بغته وقال بحزم :

علي : لا يا شيخ .. كلامهم صحيح ، وانــا متأكد من هــذا ..



اتلاشت الابتسامه من وجه ناصر وهوه يسأل علي باهتمام متزايد :

ناصر : وشو اللي يخليـك متأكــد من كلامــك ؟!



نكــس علي براسه للارض لثواني ، قبل لا يرفعه مره ثانيه ويقول بصوت خافت :

علي : لان جــدي كـــان اول واحــد تبلعــه هذي الحفــره وتسحبــه لاعماقهــا .



انبهت وانصعق ناصر من كلامــه ، ورجع اعصار الحيره والعجب يدور باعماق تفكيره في محاولة لايجاد تفسير منطقي للكلام الجديد و الغريب اللي سمعه من علي ..

لكــن تفكيــره ..

ما وجــد ولا حــل لهذا السرالجديد الغامـض ..



****************************************

******************************



رفع احد الاشخاص يده اليمنى ، وطرق على احــد الابواب بطرقات خفيفه ، وانتظــر لحظات قصيره قبل لا ينفتح الباب ويظهرله شاب صغير ويسأله عن حاجته ، ولحظتها رفــع الرجـل صوتــه وقال :

الرجل : صالح بـي موجود .



هــز الشاب راسه وهوه يقول :

الشاب : هيه موجود .. لحظه شويه وبناديلك اياه .



اتحــرك الشاب جهة مجلس البيت واللي كان قاعد فيــه صالح بي مع عدد قليل من رجال القريه ، واول ما وصل الشاب للمجلس التفت جهة صالح بي ورفع صوته وهوه يقول :

الشاب : ابويــه .. فيه ريال يباك على البــاب .



رفع صالح بي يده اليمنى وهوه يأشر جهة ولــده ويقول :

صالح بي : دخــله الميلس .



رجــع الشاب للرجل ، واصطحبه للميلس ، واول ما دخل الرجل ، القــى سلامه على الجميع ثم اتجــه جهة صالح بي ، وقال بانفعال واضح :

الرجل : صالح بي .. بغيــت اخبرك عن سالفه مهمه استوت امس بالليل .



شــدت كلمات الرجل اهتمام صالح بي ، فسأله بلهفة :

صالح بي : سالفة شــوه .



جاوبه الرجل بسرعه :

الرجل : أمس بالليل ، واثناء ما كنت امشى باطراف القريه شفت بالصدفه واحــد غريب وهوه يتجــه صوب المنطقة المحظورة ..



رفع صالح بي حواجبه وهوه يسأل :

صالح بي : واحد غريب ؟!



تــابع الرجل كلامه فقال :

الرجل : هيه .. واحد غريب عن القريــة و ..



قاطعه صالح بي وهوه يسأله بفضول :

صالح بي : وها الغريب .. كيف شكله ؟



صمــت الرجل للحظة ، وبدا مخه يعيد تشكيل صورة الرجل في مخيلته قبل لا يقول :

الرجل : الرجل اسمر شويه ... طويــل ونحيف و ..



وبدون وعي صرخ صالح بي :

صالح بي : هذي مواصفات الشيخ ناصــر .. انته متأكد من كلامك هذا ؟



هــز الرجل راسه بعفويه وقال :

الرجل : هيه متــأكد ، وانــا كلمتــه بنفسي .



سأله صالح بي بصوت متوتر :

صالح بي : وشو صار بعدين .. قــدر يوصــل لهذاك المكان ؟



انخفض صوت الرجل شويه لطمأنــة صالح بي وقال :

الرجل : اطمــن يا صالح بــي ، ما وصلها .. وانــا قدرت اشتـت واصرف انتباهه عنهــا لاني اتعمدت اوجــهه جهــة منطقــة الاشباح ، وفعلا نجحت فكرتــي واول ما دخل منطقة الاشباح ارتعــب ورجــع من حيث ما جاء .



اطلعت زفــرة ارتياح طويله من فــم صالح بــي وقال :

صالح بي : اف.. طمنتني .. انــا اتحريته وصل للمغاره الارضية ..



صمت صالح بي لفتره ، ثم ارتفع صوته بغته وهو يوجــه كلامه لمولود القاعد في طرف المجلس :

صالح بي : مولود... ليـش كذب علينا الشيخ ناصروقال انــه الضباع هاجمته ، وليش ما خبرنا عن سالفة الاشباح اللي شافهم ؟ .



حــرك مولود كتوفــه وفـمه وقال :

مولود : والله ما ادري .. يمكن خاف ايقولنا لأنــه طلــع من غير شورنــا .



رجع القلق مره ثانية لصالح بي ، ولاحــظ الرجل هذا ، فحاول طمأنة صالح بي لما قال :

الرجل : يا صالح بي .. انته ما شفت الرجـل وهو مرعوب وخايف من الاشباح .. كان بيموت من الخوف والرعب ، وما اظني أو مستحيل يرجــع مره ثانيه لنفس بعد اللي شافه هنــاك .



وضــع صالح بــي يده على ذقنــه ، ودخل في نوبة تفكير طويله ، ثــم التفت جهــة الرجل وقال :

صالح بي : مهمن كــان .. احنــا لازم ناخــذ حذرنــا ، ونحسب احسابنا لـكل الاحتمالات .



التفت صالح بي جهــة مولود ورفع صوته وقال :

صالح بي : اسمعني يا مولود .. ابـيك اتراقب الشيخ ناصر على طول ، وما ابيه ايغيب عن نظـرك لحظة وحــده فهــمت .



فـتح مولود عيونه على الآخــر وهوه يقول بتوتر :

مولود : يا صالح بي .. انــا ما اقدر اراقبــه طول اليوم وبكل ساعه ودقيقــه .



صمــت صالح بــي للحظة ، ثــم تابــع كلامــه وقال :

صالح بي : عنــدك حــق ... صعب انـك اتراقبه بروحك على طول ، وعشان جذيه ، انــا بكلــف ثلاث رجــال يساعدونك في مراقبته ، يعني كل واحد يراقبــه ست ساعات في اليوم.. ليل ونهار .. واضح .



دارت الفكره في ذهــن مولود للحظة قبل لا يهز راسه بايجاب ويقول بطاعة :

مولود: واضح ..



رفــع صالح بي يده اليمنى وأشــرفيها جهــة الباب وقال :

صالح بي : ومن الحينــه بتبدأ المراقبــة .. وبكل حذر وحيطــة .



قال صالح بي كلمته الاخيره وصمــت ..

وهوه واضع في اعتباره ومتأكد من نجاح اسلوبه هذا في منع ناصر من الذهاب لتلك المنطقــة ..

والكشف عن اسرارها ...



**************************************

**************************************



(( وانـتــه منــو قالك هاي السالفــة ))



بها الكلمات نطــق ناصر وهوه يوجـه كلامه للشاب علي الجالس بجنبه واللي جاوبه بارتباك مشوب بالقلق :

علي : جدتـي قالت لــي كل السالفة ، ولا تنسى ان جدي اللي اختفى بالحفــره يصير زوجهـا ومستحيل اتقول عن زوجهــا كلام غير صحيح .



بدا كلام علي معقول عند ناصر اللي تابع مسلســل اسألته وقال بفضول شديد :

ناصر : ومن كــم سنــة اختفى جدك او بعلته الحفره في ذاك المكان ؟



جاوبه علي بهمـس :

علي : من سنين طويله ، وهذي سالفه يطول شرحها يا شيخ .
مسـك ناصر يــد علي بقوه وهوه يقول بكل لهفه وفضول :
ناصر : ابــيك اتقولي السالفه كلها الحينه.. ومثل ما خبرتك اياها جدتك بالضبط .
حرك علي راسه بايجاب ، ثم التقــط نفس طويل ، وبدا يستعيد المخزون في ذاكرتــه وقال :
علي : السالفــة بــدت قبل ثمان وعشرين سنه كامله .. و
قطع ناصر كلام علي وقال بدهشة :
ناصر : قبل ثمان وعشرين سنه ؟ .. احنــا في سنة ثلاث وسبعين ، يعني السالفه صارت في سنـة الف وتسعمية وخمس واربعين ( 1945 ) .
جاوبه علي بايمــائه من راسه وقال :
علي : هيه .. قبل ثمان وعشرين سنة سمع الناس صوت هائـل خلف الجبل الكبير البعيد ثــم شعروا بهزه خفيفه في القريــة ، ولحظتهـا.. راحـت مجموعة صغيره من أهل القرية لذاك المكان .. وجدي كان معاهم ، واول ما وصلوا للمكان هذا ، اكتشفوا وجود حفــره كبيره اوصدع كبير او مغاره تمتـد لاعماق الارض ، وهالحفرة اتكونــت هناك بعد سماعهم لذاك الصوت القوي .
ارتفعت حواجب ناصر وهوه يقول :
ناصر : تقصد ان الحفره ما كانت موجوده اساسـا قبل هذاك اليوم .
هــز علي راسه بايجاب وقال :
علي : هيه .. ما كانت موجوده ، واتكونت فجــأه في ذاك اليوم .
مسك ناصر راسه للحظة ، ودخل في نوبة تفكير قليله وقال :
ناصر : انــا اعتقد ان الحفرة اتكونت طبيعيا بهذيك المنطقة ، لان المنطقة هذي منطقة جبليه وصحراويه غير مستقره جيولوجيا ، وتكثر فيها الوديان والحفر العميقه اللي تتكون احيانا بفعل الحركات الارضيه الباطنية المفاجئــة ، يعني ممكن زلزال بمنطقة بعيده عن القريه ايأثر فيها ويكون فيها بعض الصدوع والفيالق الارضية .
صمــت ناصر شويه ، ثم رفع صوته وهوه يقول :
ناصر : وشو صار بعدين .
ســرت نبضات قلق سريعه بنفس علي لما استعاد ذهنه هذه الحدث المنقول من جدتــه وقال :
علي : لمــا اقترب رجــال القرية من الحفره ، لاحظوا انها حفره مايــله ، يعني مب عموديه ، تسمح بدخول الانسان الهــا ..
مسك علي قـلمه ، وفتح دفتره الصغير وبدا يرسم شكل تقريبي للحفره مثل ما وصفتها لــه جدتـه ، ثم حـرك الدفتر جهة ناصر اللي ركــز ببصره في الحفره المرسومة على الدفتر ، وكانت الحفره مايله فعلا بدرجه كبيره على هذا الشكل اللي شافه ناصر:
بعد ما ركــز ناصر على شكل الحفره ، تابــع الشاب علي كلامه وقال :
علي : لكنهــم لاحظــوا شي غريب يطلع من هالحفــرة .
عــقد ناصر حواجبه وهوه يسأل :
ناصر : لاحظـوا شوه .
حــرك علي اياديه وهوه يجاوب :
علي : لاحــظوا وجــود ضــوء اصــفـر باهـت قـادم من عمــق الحفـرة المظلمـة .
بعد كلمة علي الاخيره ، استعاد ذهن ناصر الجمله اللي قراها في دفتر تحضير المدرس السابق ( اني ارى نورا خافتا ياتي خلف الجبل الكبير البعيد ) .. وهنيه ازداد خفقان قلبه ، لكنه رجـع بحواسه مره ثانيه لعلي وقال بفضول عنيف :
ناصر : وبعــدين ..
جاوبه علي بانفعال متزايد :
علي : وقف الرجال عنــد سفـح الحفــرة ، وهـم محتارين من هذا الضوء الغريــب ، وبنفس الوقت دفعهم الفضول لمحاولة الدخول لعمق الحفره هذي ، واترددوا بتنفيذ هذي الفكره ، لكن جدي كان اشجعهــم ، ودخل قبلهم ، ومشى بالفعل لامتــار قليله قبل لا ..
قطع ناصر كلامه وهوه يقول :
ناصر : قبل لا شوه ..
صمــت علي لحظــة ثم ارتفع صوته وقال :
علي : اول ما قطــع امــتار بسيطه ، بــدا جسمــه ينجذب لقلب الحفــرة بقوه ، وكأن الحفره فيها قوى خفيه قاعده تسحبه بشدة لقلبهــا ، وفشلت كل محاولاته بالتمسك بالصخور المحيطه فيه ، وشفطته الحفره لقلبها وبدون ما تترك اي اثر لــه ، وعلى مرأى ومسمع رجال القرية اللي كانوا موجودين هناك .
ارتفعت حواجب ناصر من الدهشة وهوه يقول :
ناصر : عجيب .. حفــره تشفط البشر ..
صمت ناصر شويه ، ثـم لمعت فكره في راسه وقال :
ناصر : انزين .. يمكن جــدك زلــق في الحفره وادحرج جسمه لاعماقها .
حــرك علي كتوفــه وقال :
علي : مثل ما قلتلك قبل شويه.. ومثل ما سمعت من جدتي .. هذي الحفره مب عموديه ، يعني مايلـه بدرجـة معقولــه تسمح بدخول انسان فيها ، وبعدين في شي ثاني حصــل اكــد للناس وقتها ، ان الحفـره تبلع وتشفط الناس اللي يقتربون منها .
اتــركزت عيون ناصر بعيون علي ، وسأله بلهفه متزايده :
ناصر : شو اللي حصــل ؟!
جاوبه علي :
علي : بعد ما اختفى جــدي في الحفــره ، قرر احــد الاهالي المخاطره والنزول في قلب الحفره عشان ايدور على جــدي ، واخذ الرجل كامل حذره واحتياطاته ، فربــط عمره بحبل غليظ جدا ، والرجال كانوا ماسكين الحبل في الاعلى ، لكنه اول ما نزل لامتار بسيطه ، ووصل لنفس المنطقة اللي انحسب منها جدي ، بدت القوى الخفيه في سحبه بقوه هايله ، لدرجة ان الحبل الغليظ انقطع ، وهوى الريال لقلب الحفره بسرعة هايله .
مسـك ناصر راسه باياديه الثنتين ، وهوه يحاول استيعاب هذي الاحداث الغريبه اللي قالها علي ، لكنه ما وجده اي تفسيـر لها ، واحتار عقله اشد الحيره ، وحاول انــه يسأل علي سؤال ثاني ، لولا ان سمع صوت مولود في الخارج وهو يقول بصوت عالي :
مولود : شيخ ناصر ..
صمــت ناصر للحظة ، ثــم التفت لمصدر الصوت بضيق ، وقال :
ناصر : نعــم يا مولود .. فيه شي ؟
رد عليه مولود بسرعه وهوه يقول :
مولود : ما شفـت علي ولــدي يا شيخ ناصر ،لان الطلاب كلهم رجعوا القريه الا هوه .
التفت ناصر جهة علي واللي بان عليه بعض الارتباك ثــم التفت مره ثانيه جهة الباب وقال :
ناصر : علي ولــدك موجود عنــدي هنيه ..
انفتح باب الغرفــه ، ودخل مولود وصرخ على ولده علي وقال :
مولود : ليش ما رجعت مع ربعـك بعد انتهاء دوامك .. وليش تزعــج الشيخ ناصر معاك .
ارتبك الشاب ونكس راسه للارض ، لكن ناصر وقف في مكانه وقال بهلجة حازمــه :
ناصر : انــا بنفسي ناديــته عشان اشرحله الدروس اللي فاتته أمــس .
هــدا مولود شويه ، لكنــه رفع صوته على ولده علي وقال :
مولود : يا الله ياعلي .. روح البيت الحينــه .
فــز علي من مكانه ، ثــم ركض وهوه يغادر الغرفــه ، ويتجه جهـة قلب القريه ، بينما صمــت ناصر وهوه يطالع مولود بنظرات طويله قبل لا يتكلم مولود ويقول :
مولود : اسمحلنــا يا شيخ على الازعــاج ..
ابتسم ناصر وقال :
ناصر : لا ازعــاج ولا شي .. بالعكس .. ولدك ظريف واستانست بسوالفه وايد .
رفــع مولود حواجبه وهوه يقول :
مولود : أي سوالف ؟!
انتبـه ناصر لخطأه في الكلام ، لكنه اداركه على طول وقال :
ناصر : سوالفه مع ربعه والمقالب اللي ايسونها مع بعض .
نظـرله مولود بنظرات حذر وشك قبل لا يقول :
مولود : انزين .. ما تامرنا بشي يا شيخ .
اتسعت ابتسامة ناصر وقال :
ناصر : سلامتك .
اتحرك مولود ليما غادر الغرفه ، بينما غرق ناصر بتفكير شديد ، وعقلــه قاعد يقلب كلام علي من كل جوانبه .. يصدقه مره .. ويرفضه مره ثانيه ..
لكن في النهاية .. دفعــه فضوله الفطــري الشديد للتفكير بالرجوع مره ثانية لذاك المكان واكتشاف اسراره ..
وفعلا .. وبعد تفكيــر قصير ..
اتخذ قراره بالعودة لذاك .. وسبل اغواره ..
وبكل ما في ها القرار من مخاطر وأهــوال ..
************************************
بعــد صلاة العشاء بدقايق معدوده ، وبعد ما انهـى ناصر استعدداته النهائيه للذهاب لذاك المكان مره ثانية ، اتحــرك جهــة باب الغرفــه عشان يطلع منها ويروح لذاك المكان .
لكنه قبل لا يفتح الباب سمــع صوت خفيف يــاي او قادم من الخارج ، ولحظتها فـتح ناصر الباب ببطء ، ونــظر للخارج بحـذر ، ليقــع بصره على مولود اللي كان قاعــد على كرسي صغير تنفيذا لاوامر صالح بي في مراقبــة ناصر .
ولهذا .. اغلــق ناصر الباب مره ثانية ، ورجع مره ثانية وقعد على الكرسي ، وظــل ينتظر ليمــا يغادر مولود المكان .
طال انتظار ناصر ، وكان يفتح الباب شويه كل نص ساعه تقريبا ، بس بدون فايده ، ما زال مولود قاعد على الكرسي ..
ومــرت الدقايق والساعات، ومازال ناصر ينتظر روحة مولود ، ولما استوت الساعه وحــده بالليل ، سمع ناصر صوت آخــر ياي من الخارج ، وعلى طول.. قــام من مكانــه واتجه صوب الباب وفــتحـه بحذر شديد ، وشاف من خلال الفتحه الصغيره اللي فتحها مولود وهو يتكــلم مع شخص آخــر ، واستمر حديثهم لدقايق بسيطه ، قبل لا يغادر مولود المكان ، ويجلس الرجل الثاني في مكانه وعلى نفس الكرسي ، وهنيه .. فهم ناصر السالفه ، وايقــن انــه مراقــب منهم لسبب مجهول ، لكـن اصراره على الروحه كان اكبر من كل شي .
اتلفت ناصر حواليه ، في محاولة لايجــاد مخرج ثاني للغرفه يبعده عن نظــر المراقب الجالس بالقرب من البــاب ، لكنــه ما وجد منفـذ ثاني ، لان الشبابيك الصغيره كانت مشبكه بشبـك حديد ما يسمح بمرور انسان فيها .
شعر ناصر باحباط ويأس شديدين ، والقى بجسمه على السرير وهوه متضايق اشد الضيق من خيبة املــه ، لكن ذهنــه كان شغال بأقصى طاقته في محاولة لايجــاد طريقه تمكنــه من الروحه لذاك المكان .
وبعــد ما ببذل ناصر مجهود فكـري متواصل ، لمعــت عينه بفكــره مباغته ، لانــه مخــه رســم شكل تصوري سريع لمكان سكنــه ، فالمكان اللي ساكن فيه عباره عن كرافان خشبي مثبت على قوائــم حديدية عاليه ، وارضية الكرافان ترتفع عن الارض بأكثر من نصف متــر على الاقل ، وهذا معناه ان الارضيه ما تلامس الارض وتسمح بمرور انسان زاحــف تحتها ، لكن المشكله الثانيه اللي برزت هيه كيفيـة الوصول لبطن الكرافان ، بس حتى المشكلة الثانية كان الها حل في ذهن ناصر ، لانه اتذكر لحظتها انه يوجد بالكرافان في العاده ، فتحــه ارضيه صغيره مسكره بغطاء صغيره وتستخدم للطوارىء في حال تعذر الشخص الخروج من الباب ..
وفعلا .. بدا ناصر يزيــح الفرش الخفيف المغطي ارضية الغرفــة ، ليقــع بصره على الفتحـة المغلقه بالغطاء الصغير ، ومباشرة فتــح ناصر الغطاء ونزل منه بحذر وحقيبته الصغيره بيده ، ثــم زحــف بجسمــه ببطء وحذر شديد تحت الكرافان ، وعيونــه تلمـح واتشوف ريــول الشخص اللي قاعد يراقبه بالخارج .
زحــف ناصر تحت غرفتــه ، ثم زحــف تحت غرفة النشاط الملاصقه للغرفه ، وزحـف تحت الفصل الدرسي ، ليما وصل للجهة المقابله البعيده عن انظــار المراقب .
سحب ناصر جسمه ببطء من تحت الكرافان ، ووقف على ريوله بخفه شديده عشان ما يصدر أي صوت تلفت انتباه الحارس ، وبدا يتحرك بهدوء لجهة بعيده عن مرمى المراقب ليما اتلاشت صورته نهائيا وسط ظلام الليل الدامس .
مشى ناصر لمسافات طويله ، وما شعر ببعدها بسبب الحماس الشديد اللي يــدب في كيانه كلـه .. وكان يركض للحظات ثم يعود للمشي بعد ما يتعب جسمه ، لكنــه واصل طريقه بدون دقيقه توقف .
وصــل ناصر بالقرب من المكان اللي شاف فيــه الاشباح ، ولحظتها بس وقف ناصر بمكانه ، وظـل متردد لثواني قبل لا يتسجمع شجاعته ويقوي قلبــه ، ويتحرك ببطء شديد باتجاه هذي المنطقة .
كان ناصر يتحرك خطوه ويوقف ، ويتحرك خطوه ثانيه ويوقف مره ثانية ، ليما خطت رجلــه على ارض هذي المنطقة .. منطقة الاشباح .. ، ولحظتها سمع ناصر تلك الاصوات اللي سمعها من قبل ، اطلاق نار ، صراخ ، استغاثات .. وهنيه رجـع ناصر للخلف شويه ، واتجمــد في مكانه ، والاصوات ما زالت تتردد في اذنــه ، لكن بعد مرور حوالي دقيقه كامله اختفت الاصوات نهائيا .
وهنيه ، اتقدم ناصر لخطوه خفيفه باتجاه الامام ، فعاودت الاصوات مره ثانية ، ليرجع ناصر مره ثانية للخلف .. فاتكرر المشهد الاول .. ظلت الاصوات لدقيقه ثم انقطعت .
وهنيه .. وضع ناصر يده على راسه في دهشه وقال :
ناصر : غريبه .. ها الاشباح مسويه خطوط و حدود اللي يتخطاها يسمع صوتها .
اتراجع ناصر للخلف واتلفت حواليه ، ووقـع بصره على حجر صغير مرمي على الارض ، وامتدت يده تجاه الحجر ، ومسكه ثم رمــاه بداخل منطقة الاشباح ، فارتفعت الاصوات مره ثانيه ، بالرغم من عدم دخول ناصر لهذي المنطقــة ، وهنيه ارتفعت حواجب ناصر في دهشة وقال :
ناصر : غريبه امــر ها الاشباح ، كأنها اشباح مبرمجــه ، أي حركة اتصير داخل بها المنطقة تنطلق الاشباح واتصرخ .
ظــل ناصر يفكــر للحظات ، قبل لا يعقد العزم ، ويدخل المنطقة بكل ثبات وشدة واتحرك داخل المنطقة بهدوء وبطء ، وارتفعت الاصوات المخيفه ، لكن ناصر اتجاهلها نهائيا وكأنه ما يسمعها ، وظل يمشي ليما عبــر منطقة دائرة الاشباح ، ثــم انقطع الصوت نهائيا بعد فتره .. وهنيه اتأكد ناصر ان الاشباح ما منها ضرر وانها اشبه باشباح مبرمجــه ، ينطلق صوتها مع أي حركة داخل هذي المنطقة ..
اتلــفت ناصر حواليــه ، ومــد بصره في جميع الاتجاهات في محاولة جاده للبحث عن حفره او مغاره ارضيه مثل ما قاله الشاب علي ولد مولود ، لكنــه ماوجد ، وهنيه.. تــابع ناصر طريقه ، ومشى امتــار على ارض رملـيه خفيفه ، وبعد امتـار طويله دخل في ارض صلبه مغطاه بالحصى ، ولحظتها.. اندهش ناصر من تداخل الارض الجبيله والحصوية مع الارض الصحراوية ، لكنه ضحك على نفسه لما اتذكر ان الرمال الصحراويه اصلها صخور مفتتـه ..
وفجــأه .. اتجمــد ناصر في مكانه ، بعد ما وقع بصره على حفــره واسعه جــدا او صــدع ارضي كبير يمتــد لباطــن الارض بزاويــه مايـــله شويه .
اقترب ناصر اكثر من الحفــرة ليما وصــل لسقفها ، ثم امتد بصره لاعماق الحفــرة ، ولاحظ انها مظلمــة جدا الا من ضــوء اصفر خافت جـدا يــاي من اعماق هذه الحفــره الواسعه بالفعل .. وكانت الحفره تسمح بدخول انسان فيها والدخول لاعماقها بسبب ميلانها الكبير .
اتردد ناصــر كثير وهوه واقف بمكانه على سقف هذه الحفره ، وبذل مجهود عنيف لاستجماع شجاعته ، وفي النهاية قرر انــه يدخل الحفره ويشوف اللي فيها ، رغــم كل النتايج المترتبه على مخاطرته هذي .
وفعلا .. مسك ناصر المصباح الصغير ، وبدا بالنزول بالحفــره وبحذر شديد ، لكنه ما قدر يمنع اطرافه من الارتعاش والارتجاف خوفا من المجهول بأعماق هذي الحفره الغريبه .
مشى ناصر لامتار بسيطه داخل الحفره ، ومع كل خطوه يخطيها بداخل الحفرة يزداد قلقه وترقبــه ، وهوه متحفــز ومعــد نفسه للهرب بأي لحظة .
لكــن فجأه .. وبعد ما مشى امتـار اضافيــة .. شعر ناصر بقوى خفيه قــاعده تسحبه وتشــده بعنف لاعماق الحفره ، .. وهنيه .. حس ناصر بذعر شديد ، ورمى المصباح اللي بيده ، واستدار للخلف عشان يرجع ويهرب لسطح الارض ، لكن قوة الشفط كانت هايله جدا ، فما لقى غير انه يرمـي نفسه على الارض ، ويمسك الصخور بكل ما يملك من قوة ..
لكن قوة الجذب والشـد كانت اكبر بكثير من قدرته على مقاومتها ، فبعد لحظات قصيره من التمسك الشديد بالصخور خارت قواه بسرعه ، وشعر بيده وهيه تفلت من الصخور ، وأول ما فلتت فعلا شعر بجمسه يرتفع من على الارض ويطير في الهواء ، ثــم يهوي ويســقط بسرعه شديده بداخل هذي الحفره ..
كانت السقطه سريعه لدرجة ان ناصر شعر وكأن وجهه بيتقطع من لفحات الهواء الشديده على خدوده من أثر سقوطه السريع .
وبها اللحظة العصبيه ، غمـض ناصر عينيه ، واستعد للموت وهوه يتوقع ان جسمه بيرتطم بأي لحظة بأعماق الارض السحيقه ، وبتتكسر عظامه ويتحطم جسمه بالكمال من أثر الاصطدام العنيف .
مضت ثواني قصيره ، وناصر بانتظار مصيره ، لكنــه بغــته ، شعـر بان الهواء اللي كان يلفح وجهه بشده من اثر حركته السريعه ، ســكن فجأه ، والغريبه انــه شعر وكأنه مستلقــي على وساده ناعمــه من الهواء .
وهنيه حاول ناصر انــه يفتح عينيه لمعرفــة شو اللي قاعد يصير فيه ، لكنـه شعر برائحه نفاذه قوية تتسرب لانفــه بشده ، وحس ناصر بغثان ودورة راس عنيفه ، حاول انه يقاومها ، لكنه ما قدر يتحملها ، وفقد على أثرها كامــل وعيه ..
ما يدري ناصر كم الوقت مضى وهوه فاقد الوعي ، لكنه اول ما استعاد وعيه ، اتذكر اللحظات الاخيره اللي مرت عليه ولحظات سقوطه العنيفه ، والشي الغريب اللي حصله في النهاية ..
فتــح ناصر عينه ببطء وحــذر ، ثــم وقف على ريولــه واتلفت حواليه وهوه يحــرك بصره في جميع الاتجاهات ويتفحص المكان بدقــه كبيره.
ولحظتها .. انفجــرت عيون ناصر من الدهشه والعجب ، لدرجه ان عيونه بغــت تطلع من محجريها من غرابة ما تــرى ..
لان اللي قاعــد يشوفه حــزتها..
كان مذهــل .. مذهل بحق .
مذهــل .. بكل معنى الكلمـــة ..
وكيانه وقلبه وعقله وعيونه ما مصدقين ولا مستوعبين بتاتا المنظر العجيب اللي قاعدين يتعايشون معاه حاليا ..
منــظر عجيب ..
وما كان ناصر يتصور او يتخيل ان عيونه بتصبر بيوم من الايام على ســر من أخطــر الاسرار ..
اسرار الماضي ..
وتستمـــر الاسرار في الجزء الخامــــــس
##########################################
اسرار الماضي 5
____________
اتفتحــت عيون الاستــاذ ناصر على منــظر مدهش وعجيب ، وبنفس الوقت مثيـر وجميــل ..
منــظر ما سبق له تصوره حتى في خياله أو احلامــه.
كان المنــظر اللي امامه يوحيله ويحسسه وكأنــه قفــز للمستقبل لسنين طويــله .. طويله جدا .. المستقبل البعيــد .. لأنــه عيونــه المفتوحــه على الآخــر قاعده اتشوف اغرب واعجب منظــر شافه ناصر بحياتــه ..
كانت عيونــه اتشوف مدينة كبيره وواسعة وهيه اتشــع بأنوار ساطعه و باهــرة ما شافها من قبل بسابق حياتــه ، والعمارات الشاهقــة اللي كانت على شكـل بيضـه منتصبــه، وفوق هالعمارات البيضاوية الشكل قبــة على شكل هــرم صغير، والانــوار اللؤلؤيــه تتلألأ من نوافــذ هذي العمارات وتعطي منظر ساحـر ينعـش وتسلب ابصار كل من ينظر لهــا .
وكانت الحركــة متواصله في احياء المدينة الغريبة التخطيط ، وهنيه.. لاحظ ناصر على مرمى بصره ان هناك مركبات صغيره الحجم منتشره في جميع انحاء المدينه ، لكن بعد لحظة تركيز اكثر اكتشف ناصر ان المركبات بامكانها التنقل في ارجاء المدينة بحريه كامله وبدون حدود ، سواء بالحركه على الارض او الطيــران على ارتفاع منخفض بأي وقــت تشاء ..
وفي غمرة من ذهوله واندهاشه ، ما انتبه ناصر للباب الشفاف اللي انفتح من خلفــه بصوره آليــة ودخــل منــه شخص كبير في السن ، واول ما سمع ناصر صوت خطوات انسان تقترب منه التفت للخلف ووقع بصره على هذا الشخص ، وتبادل مع الرجل الواقف أمــامه نظره طويله متفحصــة قبل لا يحرك ناصر بصره في المكـان الواقف فيه ويكتشف انه واقف في قاعه ذات أرضية ناصعة البياض وجدرانها شفافه جدا بحيث يقدر ايشوف المناظر الخارجيه بكل سهوله ويسـر ..
استمرت النظرات الحائره المتبادلة بين ناصـر والرجل العجــوز ، وكأنهم قاعدين يتفحصون بعضهم بدقــة وحذر ، لكــن دهشة ناصر من شكل الرجل العجوز وهيئته ولباسـه اكبر من دهشة الرجل نفسه ، لان الرجل كان لابـس لباس غريب ويلمـع بأضواء خفيفه ، لكن الاغرب من هذا ، ان اللبس بدا مألوف نوعا ما بالنسبه لناصر ، وكأنه شايفنه بمكان من قبــل.. وين ؟ مايدري ؟ ..
طال صمتهم اكثر ، وانتظــر ناصر حتى يبدأ الرجل بالكلام ، لكن الرجل ظل في صمــته وجموده وبروده العجيب ، ولما شعر الرجل بارتباك ناصـر وحيــرته ، رفــع الرجل يــده اليمنى باتجاه فمــه ، وحركها وكأنه يطلب من ناصر البــدء بالكلام !!
في البداية .. ما استوعب ناصر معنى ها الحركه ، لكن مع اعادة تكرار الرجل لها اكثر من مره ، خمــن ناصر واعتقد ان المقصود بالحركه هوه طلب الرجل منه انــه يبدأ بالكلام لسبب مجهول ؟ وهنيه سأل ناصر نفسه : .. ليش ما بدأ الرجل بالكلام وطلب منه هذا ؟!..
اتردد ناصر لحظات قبل لا ينطق ويقول بحذر شديد :
ناصر : انــا ويـن ؟ .. ومن انتــــه ؟ ..
مــرت لحظات صمت قصيره قبل لا يرتفع صوت الرجل بلغه عربيه سلميه وبنفس لهجة ناصر :
الرجل : مرحبــا فيــك اخوي .. وابيك تطمن على الآخــر .. انته بأمان وسلام في مدينتنا الحبيبه .
كانت عيون ناصر اتراقب حركة شفايف الرجل ، ولحظتها .. اندهش ناصر اشد الدهشة من حركة هذي الشفايـف ، لان حركـة شفايف الرجل كان توحي بأنه ينطق حروف ثانيــة أويتكلم لغــه ثانية غير العربيه ، مع انه قاعــد يسمع حروف عربيه سليمــه وبنفس لهجته بالضبط وهذا اللي دفعـه لان يرفع صوته ويسأل بكل فضول وعجب :
ناصر : غريبه .. حركة شفايفـك ادل على انك تنطق حروف ثانيه ، او حتى تتكلم لغــه ثانية ؟!
ابتسم الرجل العجوز وهوه يقول بهدوء :
الرجل : ملاحظتك سلميه تماما .. انا ما اجيد ولا اعرف انطق اللغه العربيه ابدا ، وما اعرف الا حروف لغتي بس .
ارتفعت حواجب ناصر وهوه يسأل :
ناصر : عيل .. كيف تتكلم العربيه بها الطلاقه وانته في الاساس ما اتعرف حروفها ..
اتسعت ابتسامة الرجل اكثر وقال :
الرجل : في بداية لقائي معاك .. انا أشرت لك بيدي باتجاه الفـم وطلبت منك البدء في الكلام .. صحيح ..
هــز ناصر راسه وقال بحذر:
ناصر : صح .
رفع الرجل يده باتجاه سقف الصالة وهوه يأشر على نقطه معينه ويقول :
الرجل : اول ما اتكلمت انـته .. التقطت اجهزة الترجمــة صوتك وحروف كلامــك ، وراجع الكمبيوتر المخزن فيه جميع لهجات ولغات العالم كل ما يتعلق بلغتك ، ومباشرة نقل لي الكمبيوتر ترجمــة فورية لكلامك من خلال الجهاز السمعي الصغير المثبت على اذني و ..
قطع ناصر كلامه وهوه يقول بدهشه متزايده :
ناصر : شي غريب والله .. انا اول مره اسمع عن جهاز ترجمه ايترجم بها الصوره العجيبه ؟!! .. متى اخترعوا ها الجهــاز ؟!
صمت ناصر شويه وغرق في موجه حيره عظيمه ، واراد الرجل انه يتكلم لكن ناصر سبقه لما قال :
ناصر : طيب ..حتى لو صدقنا كلامك الغريب هذا .. وانك قاعد تفهم كلامي من خلال جهازك المزعوم هذا .. فشو بالنسبالي انا ؟ ... يعني كيف انــا قاعد اسمع كلامــك بكل وضوح وبنفس لغتي ؟
جاوبه الرجل ببرود المعتاد وهوه يأشر على انحاء متفرقه من الصالة :
الرجل : لان جهاز الترجمــه يلتقط صوتي وحروف كلماتي ويترجمها فورا ثم يبث الصوت المترجـم بلغتك عن طريق السماعات المزروعة في انحاء مختلفه من هذي القاعــة ، يعني انته حاليا قاعد تسمع صوتي من خلال السماعات المنتشره في القاعه هذي .
اتلفت ناصر حواليه وكأنه يبحث عن هذي السماعات ، لكنه ما وجد اثر لهــا وهنيه سأل :
ناصر : وين ها السماعات ؟ انا ما اشوف شي ؟
اقترب الرجل من ناصر ، ومسك يده وقرباه مـن نقطة سوداء اوقطعه صغيره ما يتعدى حجمها رأس دبوس وقال :
الرجل : هذي هيه السماعه ..
اتفجرت عيون ناصر عجبا وقال :
ناصر : شوه ! .. سماعه ها الكبــر ؟!
اشتدت قبضة يد الرجل على يد ناصر وقال :
الرجل : امسك نفسك شوي .. انــا ادري ان اهــل السطح ، ما وصلوا بعدهم لها الدرجة من التقدم .
جذبت كلمات الرجل الاخيره اهتمام ناصر وقال :
ناصر : شو تقصد بقولك أهــل السطــح ؟!! .. انتـوا يايــين من كوكــب ثانــي ؟!
التقــط الرجل نفس قصير ثم قال ببرود :
الرجل : لا .. احنا من سكان الكره الارضيه .. وانا قصدت بقولي أهـل السطح .. هم سكان سطح الكره الارضية ولا انته نسيت انــك دخلت حفره عميقه قبل لا توصل لمدينتنا هذي .
استوعب ناصر اخيرا كلام الرجل قبل لا يقول بكل حذر :
ناصر : يعني تقصــد ان مدينتكم هذي موجوده تحت الارض ... في باطن الارض يعني ..
حــرك الرجل راسه بايجاب وقال :
الرجل : هيه نعــم .. مدينتا موجوده تحــت الارض .. ومن مئات السنين بعد .
اشتدت دهشة ناصر وهوه يقول :
ناصر : من مئات السنين ؟!! وشو اللي وصلكم لاعماق الارض ، ومــن وين يايين من الاساس ؟
اتركزت عيون الرجل بعيون ناصر وهو يقول بهدوء :
ناصر : المدينة هذي انشأت وبنيت قبل ما يسمى عندكم بالميلاد ، واحنــا بالاصــل قدمــنا ويينــا من مصــر ..
اتساءل ناصر بفضول :
ناصر : من مصـــر ؟!
رمقــه الرجل بنظره غريبه قبل لا يفجر المفاجأه بوجه ناصر ويقول :
الرجل : هيه .. احنا بالاصــل .. فراعنــه .
صمــت ناصر للحظات طويله وهوه يطالع الرجل بنظره استنكار وريبه وقال :
ناصر : انته شو اتقول ؟! .. الفراعنــه طول عمرهم عايشين بمصر ، وانا مدرس تاريخ وادرى بها الشي ، وعمري ما سمعت ولا قريت ان الفراعنه استوطنوا وعاشوا في ليبيا في يوم الايــام !!
هــز الرجــل راسه بخفه وقال :
الرجل : معاك حــق .. لان ييتنـا هنيه من الاساس كانت سريه جدا ، والمدينة هذي بنيناها بسريـة تامــة ، وانتقل للعيش فيها حوالي خمسة آلاف شخص من خيرة وصفوة علماء الفراعنه .
وضــع ناصر يده على ذقنـه وسبح في تفكير قصير ثم قال :
ناصر : حتى لو افترضنا جدلا صحـة كلامـك هذا .. شو اللي يخلي الفراعنه يحفرون كبيره مدينه تحت الارض عشـان ايسكنون افضـل علماءهم فيهـا ؟؟
اتركــزت عيون الرجل بعيون ناصر وقال :
الرجل : طبعا فيــه سبب .. وسبب كبيرجــدا ..
تنهــد الرجل لحظة واشاح ببصره باتجاه نقطه بعيده من الصالة وقال :
الرجل : انــته باين وواضح عليك انــك رجــل متعلم وعندك ثـقافات واسعـة ، وفوق هذا عندك اطلاع جيد في التاريخ ، واكيد سمعت عن نظرية تاريخيه مشهوره خاصه بالفراعنة .
اتساءل ناصر بفضول :
ناصر : اي نظــرية ؟!!
حرك الرجل بصره باتجاه مباني المدينة البعيده ، ثم اعاده مره ثانيه جهة ناصر وقال بصوت هادي :
الرجل : اتقول النظرية .. ان هناك مدينـة تاريخيه موجوده تحت مدينة ( الجيزه ) المصرية ، وها المدينه بنوها لتكون اشبه بمعهــد للحريصين على حماية خلاصة ما توصلت اليه البشرية من أرث باطني وعلمي بحيث ايكون بمأمن من الزلازل الطبيعية والفيضانات والحرائق والتفجيرات المختلفه ، و مواد البناء المستعمله في البناء ما جاءت لا من اسوان و لا من مقالع الطورا ، بل جابوها ونقلوها من امريكا الجنوبيه .** (( نظرية تاريخيه حقيقية )) **
اتزايد اهتمام ناصر وفضوله وهوه يسأل :
ناصر : انــا فعلا سامع عن هاي النظــرية ، بس هذي مجرد نظرية وما ثبت صحتها ابدا، وبعدين النظرية اتقول ان المدينة تحت مدينة ( الجيزه ) المصرية ، مب هنيه في منطقة ( العربان ) في ليبيا .
صمت الرجل لفتره قصيره ثم جاوب بلهجـة جامدة :
الرجل : اول شي .. احـب اقولك .. ان أي نظرية في العالم ..مهمن كانت.. لازم ايكون الها جذور وأصل من الواقع والحقيقه ، يعني أي نظريه احتمال اتكون صحيحه او خاطئه .. لكن اللي ما تعرفه انــته ، ان الفرعون ( سيوبش ) اعلن هذا الكلام.. يعني اعلن ان بناء المدينة بيكون تحت الجيزه .. عشان يموه ويخدع ويبعد انظار الناس عن المخطط الحقيقي لــه ، يعني لما اعلن ان المدينة بتكون تحت الجيزه ، كان يوهــم الناس بوجودها هناك ، بينما كان يخطط بالسـر هوه وكبير مهندسيه ، المهندس المصري المعروف ( امحوتـب ) ببناء المدينة في هذا المنطقة بالتحديد .
اندهش ناصر من كلام الرجل وسأله :
ناصر : وشو هدف الملك من ابقاء هذي المدينة في السر ، رغم ان هدفه نبيله وهو الحفاظ على افضل العلوم الانسانية والحضارية في ذاك الوقت ؟
اتركزت عيون الرجل في مقلة عيون ناصر وهوه يقول :
الرجل : لان الملك كان خايف من تزايد نفوذ وقوة القاده الاغريق ، يعني القاده اللي عينهم الاسكندر الاكبر في مصر اللي كانت خاضعه لحكمهم في ذاك الوقت ، وفعلا .. بعد ما مات الاسكندر الاكبر استولى قائده ( بطليموس الاول ) على عرش مصر واسس فيها دولــة البطالمــة . ** (( حقيقــة )) ** ..
صمــت الرجل لحظة ثم تابع :
الرجل : طبعا الملك كان خايف على ها الارث العلمي العظيم من الضياع في حال استيلائهم على الحكم في مصـر ، خصوصا انهم قاده عسكرين وما يهتمون كثير بالثروه الانسانية العلمية ، وهذا اللي صار حقيقة بعدين ، انشغلوا بصراعاتهم ليمــا انتهى حكم ملكتهم الاخيره ( كليوباترا ) على يـد الرومان .
اتلفت ناصر حواليه في دهشه قبل لا يسأله مره ثانيه ويقول :
ناصر : بس المدينة هذي وايد ضخمه ، بكم سنه بنيتوها ؟؟
جاوبه الرجــل :
الرجل : اوو .. سنين طويله .. استغرق بناء المدينة حوالي خمسين سنه واستخدموا فيها ملايين الاحجاروالصخور و ..
قطــع ناصر كلامــه وقال :
ناصر : يعني الملك هذا ما اختار غير ها المنطقة عشان يبنى فيها مدينة ؟؟ ليش ما بناها مثلا في الصحراء الغربيه المصرية .. اعتقد بتكون اقربــله وايد ولا انــا غلطــان .
ابتسم الرجـل بهدوء ثم قال بصوت جامد :
الرجل : سؤالك في محــله .. اختيار المنطقة هذي ما جاء عشوائيا ، يعني اختاروها بعد دراسه طويله ورؤيه مستقبله واسعه ، والعلماء الفراعنه اختاروا المنطقة هذي بدقه تامــه ولعدة اسباب .. السبب الاول .. ان المنطقة هذي خليط من الجبال والصحراء، وهذا معناه وجود احجار كثيره تصلح لبناء مدينة متكامله تحت الارض ، وبنفس الوقت وجود ارض صحراويه هشه ورخوه شويه بين الجبال تسمح بحفـر معمق فيها ، وبعدين المنطقة هذي كانت مهجوره تماما وبعيده عن انظار الناس .. هذا غير غنى هذي المنطقة بالمعادن النادره اللي استفادوها منها سكان المدينة في العديد من صناعاتهم وساعدتهم على تسريع تطورهم فيما بعــد ..
صمــت الرجل ثواني ثــم تابع :
الرجل : والاهــم من هذا كلــه .. هو وجود ســر الحياه الاعظم في هذي المدينة .
اتساءل ناصر بفضول :
ناصر : سر الحياه الاعظم .. شو تقصد ؟
التفت الرجل نحو بقعه بعيده باطراف المدينة وركــز بصره على نقطه محدده وقال وهوه يأشر بيده صوبها :
الرجل : هذا هـــو ســر الحياه في كل زمان ومكان .
التفت ناصر لنفس المكان اللي أشــر عليه الرجل ، ولاحــظ وجود نهــر مائي يجــري بغزاره في مجراه المحاط بسواتـر معدنيه غليظه ، وهنيه ارتفع صوت ناصر وهوه يقول :
ناصر : شي عجيب .. نهــر يجــري تحت الارض !!
هــز الرجل راسه وهوه يقول ببساطة :
الرجل : وليش مستغرب .. هناك الكثير من الانهار اللي تجري تحت الارض في بقاع كثيره في العالم ، وحتى في المناطق الصحراويه ممكن اتلاقي هذي الانهار ، واحنا من خلال حفرياتنا الكثيره اكتشفنا ان المنطقة هذي غنيه بالمياه وان المياه قاعده تجري تحت الارض من الشمال للجنوب .. طبعا ما كانت المياه بالصوره اللي قاعده اتشوفه الحينه على شكل نهـر واسع ، لانها كانت تجري في فتحات وثقوب ارضيه ، واحنا وسعنا هذي الثقوب ليما شكلنا وصنعنا نهر ارضي .. ولعلمك ترا منطقة الصحراء الليبيه غنيه وايده بالماء ، ويمكن يوصل سمك الماء الجوفي فيها الى ( 450 ) متر على الاقل ، واحنــا ما بنستغرب اذا سمعنا في يوم ان الناس على سطح الارض ، اذا نجحوا انهم ينشئون مستقبلا نهر صناعي فوق السطح بحيث يمتد من الواحات الصحراويه في الجنوب الى اقصى المدن الليبيه في الشمال ** (( حدث ذلك حقيقه وهوه ما يعرف بنهر ليبيا الصناعي العظيم )) **
صمــت ناصر لفتره ثم قال بكل حذر :
ناصر : يعني تقصد ان المدينه هذي هيه ..
قطع الرجل كلامه وهوه يقول بكل حزم :
الرجل : هيه نعــم .. المدينة هذي .. ظلت ومازالت ســر طول ما مضى من سنين ..
وبتظــل ســـر من أخطــر الاســــرار ..
اسرار الماضي ..
***************************************
بالرغم من محاولات صالح بي المتكرره للنوم بتلك الليله ، لكن عيونــه رفضت انها تغفـي او تنام .. كان القلق ذابحنــه لدرجه غير اعتيادية .. وعقله كان رافض التوقف بالتفكير في ناصر رغم محاولاتها الجهيدة والمتواصله لطرد شبح ذكرى ناصر من تفكيره .. لكنه ما قدر ..
قلق غريب اتسرب لأعماق كيانـه .. وفي النهاية .. ما قدر يتحكم بنفسه، فنهض من سريره وحول بصره باتجاه الساعه القديمه المعلقه في الغرفه على جدارها الجبلي الصلب ، ولاحظ ان الساعه اتعدت الواحده والنصف ببضع دقايق ، وهنيه .. عقد صالح بي العزم فقرر انه يروح بها الوقت المتأخر من الليل لمكان سكن ناصرعشان يخرس لسان القلـق اللي قاعد يجــلد بأسواطـه الحادة اعصابه وتفكيره .
وبالفعل .. لبس صالح بي على عجل ملابسه ، وطلع من بيته وهوه يسارع الخطى باتجاه مكان سكن ناصر على أمل انـه يطمن باله ويريح اعصابه وينفـض غبار القلق من اعماقــه .
واول ما وصل صالح بي لمكان سكن ناصر ، لاحظ وجود الحارس الثاني اللي حل مكان مولود في مراقبة ناصر ، ولحظة ما انتبه الحارس لقدوم صالح بي قام من مكانه وهوه يقول بكل احترام :
الحارس : مرحبــا فيــك سيدي صالح بي .
رد عليه صالح بي بهدوء :
صالح بي : مرحبا فيك يا ابراهيم .. كيف الحراسة معاك .
انفعل الحارس ابراهيم وهوه يقول :
ابراهيم : تمام التمام .. وكل شي على مايرام .
ابتسم صالح بي ابتسامه باهته وقال :
صالح بي : الله يعطيك العافيه يا ابراهيم .. قايم بشغلك عـدل .
اتهلل وجه ابراهيم وهوه يقول :
ابراهيم : مشكور يا صالح بي .. واحنا ما سوينا شي .. هذا واجبنا والواجب واجــب .
التفت ناصر بـي جهــة الكرافان اللي ساكن فيه ناصر ولاحظ ان نور الغرفه غير ضاوي ، ثم التفت جهة الحارس مره ثانية وقال :
صالح بي : الا قولي يا ابراهيم .. الشيخ ناصر ما طلع من مكان سكنه اليوم .
حــرك ابراهيم كتوفه وقال :
ابراهيم : انــا استلمت المناوبة من مولود الساعة وحــدة بالليل ، والنور كان مطفي في الغرفه ، ومن ساعتها.. ما اتغير أي شي ، واكيد الشيخ ناصر الحينه غارق بنوبــة نوم عميقه .
هــز صالح بي راسه بتفهم وقال :
صالح بي : والله طمنتي يا ابراهيم .. انا كنت وايد قلق على الشيخ ناصر ، بس الحمدالله .. طلع قلقي في غير محله .
رفع ابراهيم صوته وهوه يقول بكل ثقه :
ابراهيم : اطمن يا صالح بــي .. عيونا ما بتغفل عنـه دقيقه وحده .
ابتسم صالح بي وهوه يقول :
صالح بي : وهذا المتوقع منكــم .. وعشان جذيه.. اخترتكم انتم بالذات لهذي المهمــة .. مراقبة الشيخ ناصــر .
رد عليه ابراهيم بابتسامه مماثله وبدون ما يعلق ، وهنيه تابع صالح بي كلامه وقال :
صالح بي : المهم .. انا رايح الحينه.. وما يحتاي اوصيك على الشيخ ناصر ..
هــز ابراهيم راسه بتفهم وقال :
ابراهيم : لا توصي حريص ، ورافقتك السلامه يا صالح بي .
اتحرك صالح في طريق عودتـه لبيته ، واثناء حركته ، كانت عيونه ترصد الكرافان الخشبي بدقه ، واول ما بلــغ نهاية المدرسة ، نزلت عيونه في حركه عاديه باتجاه الارض ، لكن اول اتفحصت عيونه الارض ، وقـف في مكانــه لما لاقى آثــار بسيطه شـك في انها غير عاديــة ، ودفعه الفضول للاقتراب منها اكثر وتفحصها ، ورغم انها كانت غير واضحه كثير ، وكل اللي واضح فيها أثــر طفيف لزحــف جسـم عليها ، لكنها شـدت انتباهه بشدة ، وظــل فتره مب قصيره وهوه واقف امامها ويفكــر وفي اسبابها ، وفي النهاية ارتفع صوته وهو ينادي على الحارس ويقول :
صالح بي : ابراهيم ..
وصلت الكلمات بسرعة لمسامع الحارس اللي نهض من مكانه وهوه يقول :
الحارس : نعم صالح بي ..
رد عليه صالح بي من بعيد وهوه يأشر بيده عشان يناديه :
صالح بي : تعال بسرعــه ..
مع كلمة صالح بي الاخيره اتحرك ابراهيم بخطوات واسعه لغايه ما وصل لصالح بي ، ولحظتها أشــر صالح بي بيده اليمني على مكان الأثــر وهوه يقول :
صالح بي : ابراهيم .. شو ها الاثـر البسيط اللي اتشوفه على الارض .. يعني شو طبيعته ..
اتركزت عيون ابراهيم لثواني على الارض قبل لا يقول :
ابراهيم : كأنهــا آثــار جســم زاحــف .. يمكن ايكون ثعبان او ..
قاطعه صالح بي بصرخه خفيفه وهوه يقول باستنكار شديد :
صالح بي : أي ثعبان يا ابراهيم .. فيه ثعبــان بها العرض كلــه .. الجسم الزاحف هنيه جســم كبير شويه .. ولاحـظ ان الزحــف مصدره على ما اظن من تحت الكرافان ، ثــم ينقطع فجــأه بعد الكرافان بأمتار قليله .
صمت الحارس وبان عليه الحيره والدهشه قبل لا يقول بصوت خافت حائر :
ابراهيم : والله ما ادري ..
اتسربت موجه من القلق في نفس صالح بي ، والتفت صوب سكن ناصر ثم مشى بسرعه ليما وصل لباب غرفة ناصر ، وتبعه من وراه الحارس ابراهيم ، واول ما وصل هناك ، طرق على الباب طرقات خفيفه ، لكنه سمع صوت ابراهيم من وراءه يقول :
ابراهيم : صالح بي .. الشيخ ناصر.. نايم الحينــه ..
اتجاهل صالح بي كلامــه وواصل طرقه على الباب لفتره اطول ، وكلما زادت فتره انتظاره زادت قوة طرقاته على الباب ، ولما يئس من هذا ، التفت صالح بي جهة ابراهيم وقال :
صالح بي : واتقولي نايم يا ابراهيــم .. كل ها الضرب على الباب .. وما قــام ؟!
عقــد ابراهيم حواجبه في دهشه وقال :
ابراهيم : صدقك والله .. معقوله ما سمع كل ها الاصوات ..
ارتفع صوت صالح بي وهو يقول بلهجه صارمة :
صالح بي : اسمعني زين .. الحينة اتسير عند مولود واتقوله اييب لــي مفاتيح سكن ناصر .. فهمت ..
ارتفعت حواجب ابراهيم وهوه يقول :
ابراهيم : بس مولود نايم الحينه و ..
صرخ صالح بي بويهه :
صالح بي : قومــه من نومــه الحينه ، وقوله صالح بي يباك ضروري ضروري ..
هــز ابراهيم راسه في طاعة وقال :
ابراهيم : حاضر يا صالح بي ..
مع كلمة ابراهيم الاخيره ، اطلق الحارس لريولــه العنان ، وسابق الزمن ليما وصل لبيت مولود اللي كان نايم فعلا .. وصحاه من نومــه على عجــل ، وخبراه بمطلب صالح بي .. وبعد فتره زمنيه بسيطه كان مولود واقف عند صالح بي عدال غرفة ناصر ، وكانواضح على صالح بي التوتر الشديد وهو يقول لمولود بانفعال عال :
صالح بي : مولود .. افتح الباب بسرعه ..
اتساءل مولود بدهشه :
مولود : ليش يا صالح بي ؟
احتـد صالح بي على مولود وهوه يقول :
صالح بي : انته افتحــه وبس ..
نفــذ مولود الامــر بسرعة ، فطلع المفاتيح من جيبه وادخلها في قفل الباب وفتح الباب على عجــل ، ولحظتها .. دخل صالح بي بسرعه الغرفه ، وبعد ما اتأقلمت عينه على نورها الخافت ، اكتشف غياب ناصر من الغرفه ، وهنيه شعــر بحراره شديده تشوي صدره قبل لا يلتفت جهة مولود ويقول :
صالح بي : وين الشيخ ناصــر؟ .. وين راح ؟
كانت دهشة مولود ما تقل ابدا عن دهشة صالح بي اللي قال بكل توتر :
مولود : شي غريب .. وين راح الشيخ ناصر ؟
التفت مولود جهة ابراهيم اللي كان واقف وراهم بقلق وسأله :
مولود : ابراهيم .. انته ما شفت الشيخ ناصر وهوه طالع من الغرفــة ؟
هــز ابراهيم راسه بالنفي وقال :
ابراهيم : ابدا .. من ساعة ما سلمتني المناوبه .. والغرفه مثل ما هيــه ؟
التفت مولود مره ثانيه جهة صالح بي ، ثــم اتحرك جهة ( الفنــر ) الصغير ، وطلع من جيبه علبة كبريت ، واشعل فتيـل الفنــر .. واول ما انتشر نور الفنــر في الغرفــه ، لاحظوا كلهم ان فرش الغرفه متحرك ومنزاح بطريقه غير عاديه قبل لا تتركز عيونهم على الفتحة الصغيره بطرف الغرفه ، وهنيه .. اتحرك صالح بي صوب الفتحه وفتحها على عجل ليكتشف بداية آثـار زحف تشبه الآثـار اللي شافها في نهاية المدرسه ..
مــرت لحظات صمت طويله ، وصالح بــي متجمد في مكانه ويطالع الارض ، قبل لا ينفجر فجأه ويصرخ بأعلى صوته :
صالح بي : يا أغبياء .. كيف اتخلونـه يخدعكم .. ويهرب منكم بها الطريقه السهله .. انتوا ما فيكم عقــل ..
زلزلت كلمات صالح بي مولود ومن خلفه ابراهيم ، قبل لا يقول مولود بلهجه اشبه بالتوسل :
مولود : يا صالح بـي .. احنــا ما ظنينا ان الشيخ ناصــر يفكــر بها الطريقه الغير متوقعه بالنسبالنا ابدا ..و
قطع صالح بي كلامه وهوه يقول :
صالح بي : المفروض تتوقعون كل شي .. كل شي ..
اتبادل صالح بي مع مولود وابراهيم نظرات طويله ومرتبكـة ، قبل لا يقول صالح بي بعصبيه متزايده :
صالح بي : ما ينفع الكلام الحينه .. وحسابكم معاي بعدين بعدما نحصل الشيخ ناصــر ..
عقد مولود حواجبه وهوه يسأل :
مولود : بعد ما نحصله ؟! .. وبين بنحصله بها الوقت المتأخر من الليل ..
اقترب صالح بي منـه اكثر ، ثم قال بلهجة حازمـه واثقــه :
صالح بي : انــا ادري وين بنحصله الحينــه ..
اطايــر الشرر من عيون صالح بي ، قبل لا يرفع صوته بلهجة صارمة شديده :
صالح بي : تعالوا واري ..
اتساءل مولود بفضول :
مولود : على وين ؟!
جاوبه صالح بي بعنف :
صالح بي : انته تعال وبــس ..
هز مولود راسه بايجاب وقال :
مولود : حاضر ..
بعد كلمة مولود الاخيره ، طلع صالح بي ومن خلفه مولود وابراهيم ، وسابقوا الريح والزمــن للوصول للمنطقه الواقعه خلف الجبل الكبير البعيد ، واول ما وصلوا لمنطقة الاشباح ، اتجاوزها صالح بي ومولود بدون اهتمام او اكثراث ، بينما اتسرب شي من الخوف لنفسية ابراهيم ، واول ماصل صالح بي للحفره الكبيره ، التفت خلفـه وشاف مولود وابراهيم وهــم متجمدين في مكانهم على بعد امتار كثيره عنهم فصرخ بويهم وقال :
صالح بي : شو فيكم ؟!... ليش وقفتوا ؟؟
وبصوت مرتجـف جاوبه مولود :
مولود : انته نسيت يا صالح بي .. ان اللي يقترب من الحفرة هذي تبلعه .. وانها يامــا بلعـت ناس من قبــل ..
ارتفع صوت صالح بي وقال :
صالح : ادري .. ادري .. واحنا مب ميانين عشان ندخل ها الحفره ، احنا بنفحصها من بعــيد بس .
اقترب مولود اكثر من صالح بـي ، واول ما وقف بجنبــه ، قال :
مولود : وكيف تبانــا نفحصها ..
مــد صالح بي يده اليمني ، ولــوح بالمصباح الصغير اللي بيده وقال :
صالح بي : بنوجــه مصابيحنا لبطــن الحفره وبنشوف ..
نفــذ مولود اقتراح صالح بي بسرعه ، ووقف في اعلى الحفره ووجـه مصباحه لاعماق الحفره ، وشاركـه صالح بي بنفس هذا العمــل ، وبعد لحظات طويله من التفحص الدقيق ، ارتفع صوت مولود بغتـه وهوه يصرخ بصوت عالي ويقول :
مولود : صالح بي .. شوف شو لقيت هنــاك ..هناك .. على بعد امتار داخل الحفره .
وجــه صالح بي مصباحه مباشره للمكان اللي أشــر عليه صالح بي ثــم قال :
صالح بي : شو هذا .. انــا ما اشوفه عــدل .. انته نسيت ان نظري ضعيف ..
جاوبه مولود بحماس شديد :
مولود : القطعه الصغيره هذي .. هيـه المصباح الصغير اللي كان يستعمل الشيخ ناصر في طلعاته .. وانا اعرف شكـله زين ، لان المصباح هذا بالذات من النوع الجديد ومافي حــد في القريه عنده مثلــه ..
انتفض قلــب صالح بين ضلوعــه ، وشعر باحتقان شديد في صدره ، واترددت انفاسه بصعوبه ، وما اتمالك صالح بـي نفسه ، فنزلت دموع غزيره من عينه وهو منكس براسه للارض ، واتأثــر مولود لدموع صالح بي ، فشاركه همــه وحزنــه بدمعه خفيفه ساخنه منسابه من عينه ، لكنه مســك نفسه واقترب من صالح بي في محاولة لمواساته وقال :
مولود : صالح بي ..هدي نفسك شويه وخلنا انفكر و ..
رفع صالح بي راسه بسرعه وصرخ في مولود وهوه يقول بصوت ملتاع باكي :
صالح بي : أي تفكير يا مولود .. المسأله ما يبالها تفكير .. الشيخ ناصر ضاع منــا مثل ما ضاع اللي قبله .. الحفره اللعينه هذي ما ترجـع اللي تبلعهم ابدا .. يعني خلاص .. الشيخ ناصر راح .. راح .. راح .
عـض مولود على شفايفه في غصــة وحسره ، لكنــه خفض من صوته في محاولة لتهدئــة صالح بــي وقال :
مولود : صالح بي .. اللي صار صار .. واحنا ما بيدنــا شي .. وهذا قدره ومكتوبــه .. واحنا سوينا اللي علينا وحذرناه من الطلعه لكنــه ما سمع الكــلام و ..
قطع صالح بي كلامه في عنف وقال :
صالح بي : احنــا السبب يا مولود .. احنــا السبب ..
عقد مولود عيونه في دهشه وردد كلام صالح بي وقال :
مولود : احنــا السبب ؟!
هــز صالح بي راسه في حســره وقال :
صالح بي : هيه .. احنا السبب .. كان المفروض نــردم وندفن هذي الحفــره من قبل .. من اول يوم ، ومن اول شخص بلعته هذي الحفره اللعينــة .
اتساءل مولود بدهشه :
مولود : بس احنا ما نقدر نردم ها الحفـره الصخريه الواسعــة ؟ .. هذا الشي مستحيــل ؟
اطالعه صالح بي بنظره صارمــه وقال :
صالح بي : لا .. مب مستحيل .. فيه طريقه نقدر نردم فيها ها الحفره بدقايق قليلــه ..تبادل مولود مع صالح بي نظره حائره قبل لا يسأله بفضول :
مولود : وكيف نقدر ندفن ها الحفره الصلبه الواسعه بدقايق بسيطه ؟
جاوبه صالح بي بكــل ثقــه :
صالح بي : انته نسيت ان عنــدنا مجموعه من اصابيع الديناميت اللي نستخدمها في تفجير الجبال اللي ما تقدر على تكسيرها بالكســارة ..
انتفض قلب مولود بين ضلوعه وهوه يقول :
مولود : يعني قصدك ان احنــا ..
قطع صالح بي كلامه وهوه يقول بكل حزم واصرار :
صالح بي : هيه نعم .. بنلغم حواف ها الحفره بالديناميت ، وبنفجرها ، وبها الطريقه بتنردم الحفره بالكامــل ، وبنرتــاح منها ومن اللي فيهــا .. للابــد ..
ساد الصمت لفتره طويله قبل لايرتفع صوت صالح بي بلهجه آمــرة :
مولود : يا الله يا مولود .. اباك اتروح المخازن الحينة .. وتحضر معاك اصابع الديناميــت واتلغم الحفــره بالكامــل .. مفهوم ..
اتردد مولود للحظات ، لكنه لما لمح الاصرار الشديد في عيون صالح بي ،
اتحــرك بسرعه باتجــاه القريه عشان اييــب الديناميــت ..
ويفجــر اطراف الحفره ..
ويدفنهــا ..
بكل من فيهــا ...
***************************************
اسئله كثيره مازالت ادور بقوة في راس ناصر ، وهو يستمع لذاك الرجل العجوز اللي بدا من كلامــه انــه صادق فيما قالــه ، لكن الشك مارضى يفــارق ناصر ، وبنفس الوقت كان الفضول قــد بلغ عنده مبلغـه ، فاسمتر في صــب مجموعــة جديده من الاسئلة فقال :
ناصــر : انــا لين الحينـه ما قادر استوعب كيف قدرتوا تبون مدينة بها الحجم الهائل ، في ذاك الزمــن الغابــر ..يعني مثلا .. مدينتكم هذي.. موجوده تحــت الارض .. وهذا معناه ان التهويــه معدومه ! فيكف تحصلون على حاجتكم من الهواء ؟!
اقترب الرجــل من ناصــر ، ومسك يــده اليمنى وقال :
الرجل : تعال معاي لصالــة الكمبيوتر الرئيسية ، وبتفهــم كل شي ..
وبدون مناقشـه ، مشى ناصر وراء الرجل بهدوء ، واول ما اقتربوا من الباب الشفاف انفتح للأعلى بصمت شديد ، وكأنه ما يتحرك ! ومشوا في ممر واسع مضاء بأنوار لؤلؤيــه براقــه ، وكأنــه في عــز النهار ، واول ما وصلوا لنهاية الممر ، انفتح الباب فورا ودخلوا لقاعــه واسعــة .. ولحظتها .. بدا ناصر يتلفت حواليه ويتفحص هذا المكان بدقــه ، ومــع كل نظــره يلقيها في اركان هذا المكان الفسيح كانت عيونه تنبهـر اكثــر ، لان المكان كان عباره عن شاشات بلوريــه غريبه الشكل ، يعني على شكـل كــرات كبيره مجســمه ، والصور اللي تعرضها الشاشه كانت مجســمـه وواضحه لدرجة شعوره بانهــا حقيقه تماما !!
لكن اكثر ما شد انتباهه ، هوه عدم وجود لوحــة مفاتيح او تحكـم او حتى فاره يستطيع من خلالها مستخدم الكمبيوتر استخدامه ، ولهذا .. رفع ناصر حواجبه في دهشه والتفت للرجل الواقف بجانبه وقال بفضول وعجــب :
ناصر : انــا اللي اعرفــه ، ومن خلال مشاهدتي لجهاز الكمبيوتر في التلفزيون لما كنت في مصــر ، ان جهاز الكمبيوتر يحتاج للوحة مفاتيـح ومؤشر بصري ( فاره ) للمساعده في التحكم واصدار الاوامر وتغذية الجهاز بالبيانات .
ابتسم الرجــل بهدوء وقال وهوه يأشر باتجاه الشاشات :
الرجل : لوحة التحكم والموشرات البصريه اللازمه لتغذية الكمبيوتر كانت في المرحــلة البدائية لصنعنا اجهزة الكمبيوتر ، وها المرحــلة مضى عليها مئات السنين ، وانــا ادري ان سكان السطح اكتشفوا هذي التقنيه قريبا ، يعني بعدهم بمرحله بدائيه في علــم الكمبيوتر والوسائط الالكترونية و ..
قطـع ناصر كلامه وهوه يسأل :
ناصر : وكيف تقدرون تتحكمون بجهاز الكمبيوتر واتغذونه بالبيانات بدون هذي الطرق السابقه ؟
اقترب الرجل من احدى الشاشات المنتشره في القاعه ، وامتدت يــده على طرف الشاشه ، واتناول منها قطعــه سوداء صغيره جدا بحجم حبة الفاصوليـا او قطعه بلاستيكيه ما يزيد طولها عن سنتيمتر واحد بس ، ووضع ها القطعه الصغيره وراء اذنــه مباشرة ، واول ما وضعها التصقت مباشرة بالمكان اللي وضعها فيــه ، وبعد ما انتهى من هذا قال :
الرجل : شايف ها القطعه الصغيره اللي لصقتها وراء اذني .
جاوبه ناصر بدهشه وهوه مركــز بصرها على القطعه :
ناصر : هيه ..شايفنها .. ليش ؟
التفت الرجل جهة ناصر مره ثانيه وقال :
الرجل : الجهاز الصغير هذا .. عنــده قدره على التخاطب مع الاعصاب المخية الحسية مباشرة .. الاعصاب اللي تتلقى الاوامــر من المــخ وتنقلها عن طريق لبقية اجــزاء الجســم .
عقــد ناصر حواجبه في دهشه وهوه يسأل :
ناصر : صراحه .. ما فهمت شي ..
جاوبه الرجل بهدوء :
الرجل : انا افهمــك .. افترض انــك نويت تكتــب مقالة مثلا على ورقــة او على الكمبيوتر .. شي طبيعي ان مصدر الأمــر بيكون من المــخ وتنقلها الاعصاب من المــخ الى اصابع يــدك ، وبعدها بتكتب أيــدك ما يمليه عليها عقلك .. صح ..
هــز ناصر راسه وهوه يقول :
ناصر : صــح .
تابع الرجل كلامه وهوه ماسك الجهاز الصغير وقال :
الرجل : والجهاز الصغير هذا ، وعن طريق برنامج خاص ومتطور جدا ، قادر انــه يفهــم الاشارات الصادره من المــخ ، ويتعامل معاها ويترجمها على شكــل أوامــر خاصه بلغــه خاصه يفهمها الكمبيوتــر ثم يرسلها لا سلكيا لجهاز الكمبيوتر.. وبعدين يقوم الكمبيوتر بتنفيذ الاوامــر الصادره من اليــه مثل ما يرغــب صاحبها ، والعمليه كلها ما تستغرق اكثر عن ثانيه وحده ما بين اصدار الامر من المخ ، وترجمته عن طريق الجهاز ومن ثم تنفيذ الكمبيوتر لهذا الامــر ..
استمرت دهشـة ناصر ، لكنه تجاوز دهشته بسرعه ورجع لسؤاله الاول وقال :
ناصر : انزين .. بعيدلك نفس سؤالي السابق .. كيف قدرتوا تحصلون على حاجتكم من الهواء في ها المدينة القابعــة تحت الارض .
التفت الرجل جهــة الشاشه ، واول ما وقع نظره عليها ، اتغيرت الوانها بلمح البصر وكأنها اتلقـت أمــر سريع منــه ، وبعد ثانيه وحده فقط ، ارتسم شكل هندسي مبسط ، كان واضح عليه انــه قديم جــدا ، وكان عباره عن تخطيط مبسط لهــرم قــديم ، ولحظتها قال الرجل :
الرجل : الشكل اللي امــامك هوه شكل قديم جدا لهرم مبني على أيــام جدودنا الاولين .. يعني أيــام الفراعنــه الاوائل ..
اتركزت عيون ناصر على الشاشه وهوه يتفحص معالم الشكل بدقه ، ولما لاحظ الرجل تركز عيون ناصر في هذا الشكل ، التفت مره ثانيه جهة الشاشه ، وبعد لحظات قصيره.. اتكبــر الشكل اللي امامــه ثلاث مــرات على الاقــل ، ثم قال :
الرجل : ابـيك اتركز على القنوات الهوائيه الموجوده على الهـرم من اعلى ، ولاحــظ انها كانت اتغذي الهرم كلــه ، حتى في الغرف الارضيــة منــه ..
امــتدت يــد الرجــل ، وهو يأشر على القنوات الهوائيه اللي كانت مرقمــه برقــم عربي ومكتوب باسفلها بعض البيانات باللغة العربية على هذا الشكــل :
تابــع الرجل كلامــه وهوه يقول :
الرجل : هذي هيه التقنيه اللي استندنا عليها في البدايه لبناء المدينه على الارض .
بعد كلمة الرجل الاخيره ، اتغيرت الصوره المرسومه على شاشة الكمبيوتر وحلت محلها صورة اخرى ، وكانت اتمثل تخطيط مبسط وقديم ايضا للمدينه اثناء بناءها ، وهنيه قال الرجل وهوه يأشـر على الرسم :
الرجل : وهذا هوه مخطط تغذية المدينة بالهواء واشعة الشمس ، في مرحـلة بناءها الاولى .. تماما كما رسمها المهندس الكبير ( امحوتب ) .. ركز زين على الصوره ..
ظــلت عيون ناصــر متركــزه بالرسمه لفتره طويله قبل لا ترتفع عيونه عنهــا ، ثـم قال :
ناصر : طيب .. انتوا كيف قدرتوا انكم تتطورون بها الشكل المذهل ، وتتقدمون بها الصوره العجيبه بحيث سبقتوا سكان سطح الارض فوقكم وبسنوات طويلــه ؟
وبثقــه عاليه جاوبه الرجــل :
الرجل : السبب بسيط جــدا .. شعبنا هذا .. شعب مسالم .. وكلهم من خيرة العلماء واطيبهم .. وطول فتره تواجدنا هيه على مـر السنين ، عمرنا ما دخلنــا لا بصراعات داخليـه ولا بحروب خارجيــة .. ووظفنــا كل امكانينا المادية والبشرية للعلم والتقــدم .. وعمرنا ما صنعنا قطعة سلاح وحــده .
صمت الرجل لحظات قبل لا يرتفع صوته شوي ويقول :
الرجل : انته اتخيل ان دوله مسالمه موجوده فعلا على سطح الارض.. وهالدولة ما تدخل بصراعات مع دول ثانيه .. ومستقره في الداخل ، واتوجــه كل مواردها للعلم والتقدم .. وما اتخسر اموال طائله وكبيره في شراء الســلع .. شو تتوقع اتكون في المستقبل .. بتتقدم بسرعه ولا لا ..
هــز ناصر كتوفـه وهوه يقول ببساطه
ناصر : وليش اتخيل .. الدوله موجوده فعلا ..
سـأله الرجل باهتمام :
الرجل : منــو قصــدك ؟!
جاوبه ناصر بسرعه وثقـه :
ناصر : اقصد اليابان .. بعد ما انهزمت في الحرب العالميه الثانيه ، سخرت كل مواردها وطاقاتها المالية في العلم والتكنولوجيا ، ليما صارت وبعد خمس وعشرين سنه من الحرب من اكبر الدول المتقدمــة في العالــم ..
أكد الرجل على كلامــه وقال :
الرجل : عليك نــور .. اليابان خلال خمس وعشرين سنه بس صارت من اكبر الدول المتقدمــة ، فما بالك بمدينتنا اللي صارلها قرون طويله وهيه عايشه بسلام وأمــن وموظفه كل طاقاتها للعلم والتطور .. كيف تتوقع ايكون حالها ؟
بدا كلام الرجل منطقي جدا لناصر ، لكنــه بادر بسؤاله مره ثانيه لما قال :
ناصر : لكنكم قاعدين في مدينــة مساحتها محدوده مقارنة مع مساحات الدول على سطح الارض ، يعني المعادن الموجوده عندكم واللازمه للصناعه قليلــه جــدا .
وبعد لحظــة صمت قصيره جاوبه الرجل :
الرجل : في البدايه واجهتنا هذي المشكله ..وكنــا نعتمد على المناجم القليله الموجوده في اعماق ارض المدينة ، لكن مع مرور الوقت بدت المعادن تقل وتنضب ، واتفاقمت المشكله اكثر ، ليما قــدر علماءنا من التوصل لحــل عملي لمشكلة نقص المعادن في المدينة ..
اتساءل ناصر بفضول متزايد :
ناصر : وكيف حلوا المشكله ؟
جاوبه الرجل بثقـة :
الرجل : قدروا ايحولون المعادن الثانيه ، وحتى الصخور العادية لأي معدن يبغونــه ، يعني نقدر انحول صخره عاديه لمعدن اليورانيوم او البلاتين او أي معدن انحب ، وبمنتهى البساطة ، وبالتالي.. بتنحل مشكلة نقص المعادن اللازمــة لصناعاتنا .
فتح ناصر عيونه وهو يسأله بدهشة :
ناصر : كيف تقدرون اتحولون معدن لمعدن ثاني ، والمعادن تختلف في خواصها وتركيبها الكيميائي ؟!!
التــقط الرجل نفس قصير قبل لا يجاوب :
الرجل : شوف .. من ناحيه كيمائيه ما نقدر انغيـراو انحول المعدن لمعدن آخــر ، يعني التفاعل الكيميائي ما يغير المعدن لمعدن آخــر .. لكن من خلال تفاعل نووي نقدر نعمل هذا ، لان التفاعل النووي يحدث تغيير جذري في ذرة المادة المحولــة .
صمــت الرجل لثواني ثـم تابع كلامــه وقال :
الرجل : وهذا الشي يعرفه العلماء الامريكان وغيرهم على سطح الارض ، يعني يقدرون من خلال تفاعل نووي انهم ايحولون المعادن الخسيسه لمعادن غاليه مثل الذهــب ** (( حقيقــه )) ** .
عــقد ناصر حواجبه وهوه يسأل :
ناصر : طيب .. اذا على قولتك.. انهم يقدرون يحولون المعادن الخسيسه لذهب ، ليش ما سوها فعلا وجنوا ثروات كبيره من ها الشي ؟!
ابتسم الرجل في وجــه ناصر ثم قال :
الرجل : لانهم لازالوا بدائين في ها لشي ... يعني العملية اتكلف وايــد اكثر من العوائد الاقتصاديه اللي بيحصلونها من التحويل ، فلو فرضنا انهم حاولوا تحويل جرام واحد من أي معدن للذهب .. فعملية التحويل نفسها بتكلفهم اضعاف اضعاف قيمــة جرام الذهب ، يعني العملية خاسره من البداية ** (( حقيقه )) **
تبادل الرجل مع ناصر نظره قصيره ثم قال :
الرجل : وها المشكله واجهتنا في البداية طبعا ، لكن علمائنا قدروا يعدلون ويطورون من طريقة التفاعل ، وفعلا .. اصبحت عملية التحويل عميله سهله وغير مكلفه على الاطلاق ، وبهذا قدرنا نحصل على أي معدن انريده في صناعاتنا من أي معدن او صخــر موجود في مدينتنا .
نكس ناصر براسه للارض في اقتناع واضح ، لكن في ها الوقت اتبادر لذهنه خاطر مباغت فقال :
ناصر : الا بسألك .. انتوا ليش كشفتوا عن وجودكم هنيه ؟ يعني ليش حفرتوا ها الحفره الكبيره المتصله بمدينتكم ؟
بدا الضيق واضح على وجــه الرجل وهوه يقول :
الرجل : احنــا ما حفرنا ها الحفره ، الحفره هيه اللي انفتحت بروحها ، وها الشي سبب النا الضيق والهم على مدى سنوات طويله .
رمقــه ناصر بنظره متساءله ، وهــم انه يتكلم لكن الرجل سبقه في الكلام وقال :
الرجل : احـنا مافكرنا بيوم انا نتصل بالعالم الخارجي بشكل مباشر ، لكـن الحفره اتكونت غصبن عنــا .
سأله ناصر بلهفه :
ناصر : وكيف اتكونت ؟
جاوبه الرجل بلهجـة أسى وحزن :
الرجل : بعد سنوات طويله من اقامـة اجدادنا في مدينتنا هذي ، اكتشفوا ان الطبقه الارضيه الموجوده بداخلها مدينتنا غير مستقره ، يعني معرضه للزلازل بين فتره وثانيه ، وانتي عارف زين ان باطن الارض هوه اللي يمتص الجزء الاكبر من الحركات الارضيه والزلازل ، يعني ممكن يضربنا زلازل قوي بدون ما يشعر فيــه سكان السطح او يشعرون فيه على شكل هــزه خفيفه فقط .
صمت الرجل لحظات قبل لا يتابع :
الرجل : ومـع هذا اتكيفنا مع الهزات الارضيه ، وبنينا عماراتنا بحيث تتحمل قوة اهتزازات تصل لـتسعين درجه على الاقل على مقياس خنفو.
عقد ناصر حواجبه في دهشه وهوه يسأل :
ناصر : مقياس خنفو؟! .. ما سمعت فيه من قبل ؟
ارتسمت ابتسامه خفيفه على شفاه الرجل وهوه يجاوب :
الرجل : تسعين درجة على مقياس خنفو ، تعادل ثمان درجة على المقياس اللي اتسمونه مقياس ريختر عندكم .
التفت الرجل جهــة الحائط الخلفي الشفاف اللي ينشاف من وراه عمارات المدينة الكثيره ، ثم رجع ببصره باتجاه الشاشه ، واول ما وقع بصره على الشاشه ارتسمت عليها صوره أوليــه مبسطه لعماره من عمارات المدينة الغريبه الشكل على هذه الصوره :
بعد ما عرض الرجل الصوره التخطيطية للعماره قال :
الرجل : هذي العماره ذات قاعده مرنه تستطيع مقاومة الاهتزازات ، والقبه او الهرم الصغير الموجود في اعلى البناية ، يمثل موازن للعماره ، يعني يوازن العماره بشده عشان تتحمل درجات الاهتزازات القوية .
هــز ناصر راسه في هدوء ثم قال :
ناصر : انته لين الحينه ما جاوبتني .. كيف اتكونت الحفره الكبيره اللي توصل لمدينتكم هذي .
عـض الرجل على شفايفه في غصه ثم قال :
الرجل : مع مرور الزمن كثرة الحركات الارضيه ، واتكونت صدوع ارضيه وانكسارات شديده ، لكن علماءنا اتجاهلوها تماما ، وما عملوا على اصلاحها ، ونحن نعترف انــا اهملنا في ها الناحيه كثير ، لكن حتى الصدوع هذي ما كان الها تأثير كبير ، يعني ما كانت تقدر اتكون حفره مثل اللي اتكونت فجــأه في عام الف وتسعمية وخمس واربعين ( 1945 ) ..و
قطع ناصر كلامه وهوه يسأله في لهفه :
ناصر : شو اللي صار في سنة الف وتسعميه وخمس واربعين ؟
احتقن وجــه الرجل وكأنه يستعيد ذكرى أليمه وقال :
الرجل : في عام الف وتسعمية وخمس واربعين ، ومثل ما انت عارف ، فجــر الامريكان قنبلتين ذريتين على اليابان ، وبعد دقايق من التفجير ، حصلت موجــه ارتجاجيه هايله انتقلت في طبقات الارض الداخليه ، وانته عارف ان الموجات الارتجاجيه الناتجه على التفجيرات النوويه الهايله قادره للوصول لاعماق الارض وطبقاتها في أي مكان في العالم ** (( حقيقه )) **
نكس الرجل براسه للارض وهوه يقول بحزن واضح :
الرجل : واول ما وصلت الموجه الارتجاجية العنيفه لاعماق مدينتا ، شعرنا بهزه هائله ، قبل لا نشعر وكأنه السقف انشـق من فوقنــا ، ثم اتساقطــت منـه كتل صخريه ضخمه ، وانهمرت على بعض البنايات ، ومــات عدد كبير من اهالي المدينة وانصاب عدد اكبر ، وبعدها اتكونت هذي الحفره الكبيره .
تبادل ناصر مع الرجل نظره قصيره قبل لايسأله ويقول :
ناصر : وليش ما سكرتوا او ردمتوا الحفره هذي اول ما انفتحت .
هــز الرجل راسه بالنفي وهوه يقول :
الرجل : فكرنا بها الشي ، لكن المنهدسين اقروا بصعوبة هذا الشي ، وقالوا ان القواعد الاساسية للمدينة متآكله بشدة ، واي محاوله لردم الحفره الكبيره قد تسبب انهيار سقف المدينه عليها بالكامل ، وعشان جذيه قرر العلماء اعاده ترميم القواعد الاساسية بالكامل قبل ســد الحفره ، وعملية الترميم عمليه طويله وشاقه ، وتحتاج لعشرين سنه على الاقــل .
التفت الرجل جهة زاويه بعيده من الغرفه ثم قال بصوت خافت :
الرجل : وبدينا بالعمل بالفعل لترميم هذي الحفـره ، لكن المدة اللي اقترحوها ماكانت كافيه ، والسبب .. ان التجارب النوويه على سطح استمرت فزاد الضغط على قواعد المدينه اكثر ، وعشان جذيه زادت المدة عشر سنوات اضافيه ، واحنا الحينه كملنا ثمان وعشرين سنه ، وباقي سنتين بس ونخلص من تدعيم قواعد مدينتنا وبعدها بنسد الحفره وبنرتاح من همها نهائيا و ..
قطع ناصر كلامه بعد ما طرأ على فكره خاطر مفاجىء وقال :
ناصر: والاشباح .. شو سالفة الاشباح الموجودين بالخارج ..
ضحــك الرجل لثواني قصيره ، وهيه المرة الاولى اللي يضحك فيها بعد ما كان يكتفي بالابتسامات بس ثم قال :
الرجل : لا اشباح ولا شي .. احنـا اللي كنــا وما زلنا نرسل موجات صوتيه لنقطه محدده من هذاك المكان عشان نخوف و نبعد الناس المتطفلين عن الحفره ، مستغلين في هذا خوف الناس الاسطوري من الاشبــاح .
شاركه ناصر ضحكه خفيفه ، لكنه عبس فجأه وهو يقول :
ناصر : والناس اللي اختفوا في الحفره من قبل وينهم ؟ وبعدين انــا حسيت من كلامك انك اتعرف اخبار العالم الخارجي !! كيف اتعرف اخبارهم ؟
ابتسم الرجل وهو يقول :
الرجل : قبل لا اجاوبك عن مصير الناس اللي اختفوا من قبل ، بجاوبك على سؤالك الثاني بدقــه .. كيف عرفنا اخبار العالم الخارجي بها الدقـه ..
التقط الرجل نفس طويل ثم قال :
الرجل : في الحقيقه .. ظلت مدينتنا منعزله عن العالم الخارجي لمئات السنين ، ما انعرف شي عنهم ، لكن قبل حوالي خمسمية ( 500 ) سنه ، قدرنا نبتكر طريقه نقدر من خلالها معرفـة ومتابعة اخبار العالم الخارجي بدقه كبيره .
سأله ناصر بلهفه :
ناصر : كيــف يعني ؟
مسك الرجل يــد ناصر ومشى معاه ليما وصلوا لقاعــه ضخمة ، واول ما دخلوا ، اشــر الرجل بيده على ذاك الشيء الغريب والعجيب ..
الشيء .. اللي قدروا من خلالــه تتبع ومعرفة اخبار العالم ..
وبكــل دقـه وحرفنه .
وهذا الشي .. هو السر الآخـر الخطيـر من الاسرار ..
أسرار الماضي ..
نلتقيكم في الجــزء الاخيــر من أسرار الماضي قريبا ..
#######################################
اسرار الماضي ..الجزء السادس والاخير ..
ملخص ما نشر ..
لقــى ناصر نفسه فجــأه بوسط مدينه عجيبه وغريبه .. مدينه مستقبليه بكل معنى الكلمه .. كل شي يدار فيها الكترونيا .. لكن اكثر ما شد انتباهه هوه معرفة سكان هذي المدينه بتفاصيل دقيقه عن العالم الخارجي ..
فما ســر معرفة هؤلاء الناس بما يجري على سطح الكره الارضية ؟
ثم ما مصير الناس اللي سبقوه لتلك الحفره ؟ وليش ما خرجوا منها لغاية اليوم ؟ وكيف ابتعلتهم هذي الحفره مثل ما ابتعلته هوه بعدهم ؟
كل ها التساؤلات تجدون لها اجابه في الجزء السادس والاخير من .. اسرار الماضي ..
*********************************************
اسرار الماضي_ الجزء السادس والاخيــر
__________________________
دخــل الرجل العجوز ومن وراه ناصر للقاعه الكبيره اللي كانت تشتعل بالحركــة والنشاط وكأنها خليـة نحل من كثر البشر اللي فيها ، وكانت الشاشات الضخمه ممتده على مرأى البصــر ، وهيه تنقـل مجموعة متنوعــه ولا حصر لها من المشاهد من العالم الخارجي على سطح الكره الارضيه ، ولحظتها ، شعر ناصر وكأنه قاعد في محطة اقمار صناعية ضخمــه ، ما تفوت لا صوره كبيره ولا حتى صغيره من العالم الخارجي الا وتنقلها ، وبدقه مدهشه ، وهنيه التفت ناصر جهـة الرجل وسأله بدهشه :
ناصر : عجيب .. كل بقعه ونقطة في العالم ترصدها شاشاتكم هذي .
هــز الرجل راسه وهو يبتسم ويقول :
الرجل : هيه نعم .. كل بقعه في العالم مرصوده عدنــا وتنقلها هذي الشاشات يوميــا .
سأله ناصر بلهفــه :
ناصر : وكيف قدرتوا ترصـدون كل ها المشاهد واتنوا موجودين في باطن الارض ؟!
اقترب الرجل من ناصر ، ومسك يـده ، وسحبه معاه باتجاه منتصف القاعه الكبيره ، ولحظتها لاحظ ناصر وجود اسطوانه زجاجيه كبيره موجود بمنتصف القاعه بالضبط ، لكن الاسطوانه كانت خاليه وشبه مفرغه من الداخل ، وهذا اللي اثار استغراب ناصر اللي قال وهو يأشر بيده على الاسطوانه الزجاجيــة :
ناصر : شو سالفة الاسطوانه هذي ؟ هذي خاليه .. ما فيها شي ؟
اتسعت ابتسامة الرجل كثير وهو يقول :
الرجل : لا .. فيها شي .
امتــدت يـد الرجل اليمنى جهة الاسطوانه الزجاجيه واول ما ضغط عليها اتألقت بضوء ازرق خفيف قبل لا تتشكل بداخلها كرة صغيره بحجم كرة القدم او اصغر ، ولما ركز ناصر على الكره لاحظ وجود ما يشبه أشواك معدنيه مدببه وكثيره طالعه من الكره نفسها ، وكأنها مجسات دقيقه جدا ، مجهولة الوظائف بالنسبه له ، ولحظتها سأل ناصر :
ناصر : شو ها الكره الغريبه ؟! ومن وين ظهرت ؟!
جاوبه الرجل وهوه يأشربيده اليمنى على ذات الكــرة :
الرجل : الكره كانت موجوده هنيه من قبل ، لكنك ما شفتها لانها مصنوعه من ماده شفافه جدا ما تنشاف بالعين الا لمـا يتسلــط عليها هذا الضوء الازرق الخاص ، والمادة الشفافه هذي صنعــت في مدينتا قبل حوالي خمسمية سنــة او اكثر ، وهيه ماده شبه هلاميه يعني جسمها أملس ومرنه ولينه جدا .
تبادل ناصر مع الرجل نظره قصيره ثم قال :
ناصر : وها الكره .. شو فايدتهــا ؟!
عاجله الرجل بجوابــه :
الرجل : الكره هذي اشبه بقمر صناعي صغير الحجم جدا ، والأشواك اوالمجسات البارزه اللي اتشوفها طالعه من الكره او القمر الصغير هذا ، هيه مجموعة متعدده من الكاميرات الدقيقه اللي تم تطويرها عندنا من فتره طويله ، وهيه قادرة على التقاط المشاهد من مسافات هايله جدا ، والقمر هذا مايستهلك من الطاقه الا القليل ، وعشان هذا ، فالخلايا الضوئيه الدقيقه الموجوده على سطحه اكثر من كافيه لتوفير طاقه كبيره لهذا القمــر الصناعي الصغير ، وعلى فكــره ، ترا عندنا عشرات من هذا القمر الصناعي لكنكم ما تشوفونها في الفضاء لانه مادته شفافه جدا واحيانا يصطدم هذا القمر باقمار الارض الضخمه لكنه ما يتأثر ابدا بسبب ليونته ومروتنه ، وبعد لحظة الاصطدام يعدل مساره آليا ويرجع مثل ما كان بعد لحظــات .
حاول ناصر تشغيل مخه بكامل طاقته ، لاستيعاب كلام هذا الرجل ودراسته من جميع جوانبه ، وهنيه قفز لذهنه سؤال مفاجىء فقال :
ناصر : طيب .. وحتى لو صدقت كلامك العجيب بخصوص القمـر الصناعي هذا .. كيف قدرتوا توصولون ها القمر للفضاء ، يعني لمدار الارض الخارجــي ؟!!
التــقط الرجل نفس قصير ، ثم اتحرك باتجاه شاشه صغيره قريبه من الاسطوانه الزجاجيه ، واول ما اقترب منها اشتعلت اضواءها ، وارتسمت عليها صوره تخطيطيه للكرة الارضيه وهيه ادور حول نفسها ، قبل لا تتشكل صورة مدينتهم امــامه ، ثــم التفت الرجل لناصر وهوه يأشر جهة الكره الصغيره وقال بكل ثقــه:
الرجل : احنــا نقدر وبكل بساطه نقــل هذا القمــر الصناعي عن طريق الانتقال الآنـي للمواد ، يعني بنعمل نسخه ثانيه للجهاز في الفضـاء الخارجي .
ما استوعب ناصر كلام الرجل لكنه اخذ يستعيد بعض من معلوماته السابقه في سجل ذكرياته القديمة ، قبل لا تلمع عينه وكأنه اتذكر شي مهم فقال بصوت خافت :
ناصر : الانتقال الآنــي للمواد !! .. انا سامع عنــه من قبــل .
صمت ناصر ثواني وهو يفكر بعمق اكبر ثم ارتفع صوته وصرخ بحماس واضح :
ناصر : الحينه اتذكرت .. انا قريت مره ان بعض العلماء استطاعوا انهم يحطمون شعاع ليزر في مكان معين وإعادة بنائه في مكان آخر مختلف على بعد متر من المكان الأول في ومضة عين. ** ( تجربه حقيقة ) **
اتسعت ابتسامة الرجل وهوه يقول :
الرجل : هذي مرحله بدائيه من التجارب ، بس حبيت اوضحلك ان علمائكم ما حطموا شعاع الليزر ، يعني الشعاع الاول موجود بمكانه الاصلي لكنهم صنعوا نسخه ثانيه مطابقه له في مكان ثاني ، لان الالكترونيات والايونات هيه نفسها لكل المواد من حيث الجوهــر ، ولهذا فان عملية النقل ما تحتاج إلى أكثر من نقل معلومات حول خصائص الجزيئات, وليس نقل الجزيئات نفسها.
حرك ناصر شفايفه في علامة لعدم الفهــم الكامل ، لكنه هضــم كلام الرجل بسرعه وقال :
ناصر : يعني تقصد انكم اتقومون بنقل هذا القمر الصناعي للخارج بمثل هذي الطريقه !
ارتفع صوت الرجل وهو يأشر على القمر الصغير:
الرجل : قتلتك احنا ما بننقل هذا القمــر لمكان ثاني ، احنا بننقل معلومات هذا القمر من حيث شكله وتركيبه لمكان محدد من الفضاء ، واول ما توصل المعلومات للنقطه المحدده ، بيتم تشكيل جزيئات ماده جديده مطابقه للمادة الاولى مره ثانيه في الفضاء الخارجي .
سأله ناصر باهتمام :
ناصر : وكيف بتنقلون معلومات هذي الماده للفضاء الخارجي وانتم قاعدين من باطن الارض ؟!
جاوبه الرجل وهوه يأشر بيده على الاسطوانه الزجاجيه :
الرجل : عن طريق اشعه مطوره اتسمونها انتوا اشعة ( اكس ) ، و.
قطع ناصر كلامه وهوه يقول بحراره :
ناصر : اشعة اكس!! اشعة اكس هذي اخترعوها من فتره قصيره بس ، يعني في سنة الف وثمانيه وخمس وتسعين على ما اعتقد لما اكتشفها العالم روتنجن.
صمت الرجل لحظه قصيره قبل لا يجاوب بشيء من الضيق :
الرجل : انته دايما اتقيس الامور تبعا لمجرى الاحداث عندكم ، لا .. الاشعه هذي اكتشفناها من مئات السنين ، وعدلنا الكثير من خواصها ، بحيث تقدر تخترق الصلب وتحمل معلومات عن خواص المواد لاي نقطه نحددها احنا ، حتى لو في الفضاء الخارجي ، ولا تنسى ان الفراعنه من ابرع الناس في الفلك وعندهم قدره عاليه على تحديد اماكن الاجرام السماوية ، ولهذا احنا استفدنا كثير من علومهم ، ونقدر واحنا بباطن الارض نقــل معلومات أي ماده عن طريق هذي الاشعه المسماه ( اكس ) لاي نقطه انحددها في الفضاء الخارجي .
عقــد ناصر حواجبه ، وهوه يحاول هضم كلام الرجل ، لان الفكره عموما ماكانت واضحه في ذهنه ، ولهذا سأل الرجل بكل فضول وهو يطالع القمر الصناعي الصغير الموجود في الاسطوانه :
ناصر : انا لين الحينه ما مستوعب فكرة عملية نقل هذا القمر للفضاء الخارجي او مثل ما تقول عمل نسخه ثانيه له هناك .
اتاه جواب الرجل بسرعه لما قال :
الرجل : شوف .. بقربلك الامــر اكثر ..احنا الحينه في بداية السبعينات ، واكيد سمعت عن شبكة في طريقها للظهور والانتشار وايسمونها شبكة الانترنت و .
قطع ناصر كلامه بعد ما اتذكر بسرعه معلومه كانت راسخه في ذهنه وقال:
ناصر : صح كلامك .. انا سمعت ان العلماء في امريكا وفي نهاية الستنيات نجحوا في ربط الكمبيوترات بالاسلاك بحيث يتم نقل الملفات فيما بينها عبر الاســلاك .
ابتسم الرجل وهوه يقول :
الرجل : الملفات ما تنتقل من جهاز لآخــر ..معلومات الملفات هيه اللي تنتقل .. يعني الاسلاك وعن طريق اجهزة الارسال والاستقبال ( المودم ) تقوم بارسال معلومات رقمية عن عن هذا الملف .. شكله .. الوانه .. وغيرها من التفاصيل ، واول ما توصل المعلومات للجهاز الثاني ويحللها يقوم بعمل نسخه ثانيه للملف في بيئته هوه ، وهذا معناه ان الملف الاصلي ما اتحرك من مكانه ، لكن تم عمل نسخه مطابقه له في بيئه ثانيه هيه بيئة الجهاز الثاني بعد ما تلقى معلوماته عبر الاسلاك واجهزة الارسال والاستقبال .
تبادل الرجل مع ناصر نظره قصيره ، وشعر الرجل ان ناصر غير مستوعب بشكل كامل لمنطقه هذا ، وهنيه انخفض صوت الرجل شويه وقال :
الرجل : افترض انك رحت عند رسام بارع جدا ، ونقلتله معلومات او اوصاف دقيقه لشخص اتعرفه انته شخصيا وما شافه هذا الرسام ، وطلبت منه رسم صوره لهذا الشخص ، شو اللي بيصير .
جاوبه ناصر ببساطه :
ناصر : بيرسملي صوره قريبه جدا من صورة الانسان الاصلي اذا كانت الملعومات دقيقه فعلا ..
هــز الرجل راسه وقال وهوه يلوح بيده :
الرجل : بالضبط .. هذي هيه الفكره ، نقل المعلومات عن طريق وسيط ، والوسيط في حالة نقل القمر الصناعي هيه الاشعه اللي بتحمل معاها معلومات عن مادة القمر للفضاء الخارجي واول ما يوصل هناك ، بيتم عمل نسخه ثانيه للقمر في الفضاء الخارجي ، وعمليه الاتصال فيه بتكون سهله عن طريق نفس الاشعه المرسله .
وضع ناصر يده على ذقنــه وحس فعلا انه استوعب كلام الرجل ، لكن دب الحماس واللهفه فيه فجأه لما سأل :
ناصر : ومن كم سنه اطلقتوا اول قمر صناعي للفضاء .
جاوبه الرجل :
الرجل : قبل حوالي اربعمية سنه .
انفعل ناصر وهوه يسأل :
ناصر: هذا معناه انك صورتوا احداث جرت قبل اربعمية سنه وما بعدها .
جاوبه الرجل بثقــه :
الرجل : طبعا ، وما زلنـا محتفظين فيها في ارشيفنا .
التفت الرجل جهة الشاشه اللي امامه و اللي اتغيرت الصوره المطبوعه عليها ، بحيث ارتسمت عليها صورة لجيش جرار يحمل اسلحة قديمه ، قبل لا تتركز الصوره على شخص واضح من ملامحه انه قائد الجيش وانه شخصيه قويه ومؤثره ، وهنيه سأل ناصر بكل فضول :
ناصر : شو ها الجيـش ، ومنو ه ها الشخـص ، وسنة كم التقطوا ها الصوره .
جاوبه الرجل وهوه يبتســم :
الرجل : المشهد هذا التقط في عام الف وثمانميه وثمان وتسعين ، يعني الجيش هذا هو الجيش الفرنسي اثناء حملته على مصر ، والشخص هذا هوه القائد المعروف باسم نابليون بونابرت .
اتسعت عيون ناصر وهوه يطالع ملامح نابليون بكل تركيز وهوه يقول :
ناصر : مدهش ، عمري ما تصورت اني بشوف نابليون على شاشات التلفزيون .
ضحــك الرجل بصوت خافت وهوه يقول :
الرجل : اكيــد طبعــا .
اختفت الصوره من على الشاشه ، وبعد ما نفض ناصر عنه غبار الدهشه والعجب ، اتبادر لذهنه السؤال الهام اللي نسى يسأله من البدايه .. السؤال عن مصير اللي سبقوه في الدخول لنفس هذا المكان ، وهنيه .. وبدون وعي ارتفع صوت ناصر وهوه يسأل الرجل بكل لهفه :
ناصر : الا بسألك .. الحفره اللي اتوصل لمدينتكم هذي .. كيف تبلع الناس ، وشو مصير الناس اللي دخلوا قبلي هنيه ؟! ليش ما رجعــوا ؟!
نكــس الرجل برأسه للارض قبل لا يرفع مره ثانيه ويقول :
الرجل : أول ما انفتحت الحفره العملاقه هذي ، قمنا بتركيب جهاز شفط عملاق جدا ، بحيث يقدر يشفط ويسحب أي جسم وبصورة آليه تلقائيه اذا بلغ حـد معين بداخل الحفره ، لكن اول مايوصل الجسم المشفوط بالقرب من الجهاز يتم رمي الجسم على وساده هوائيه ضخمه لحمايته من الارتطام بالارض .
صمــت الرجل لثواني قليله ثم قال :
الرجل : بالنسبه للي وصلوا عدنا قبلك ، فأول رجل وصل كان في عام الف وتسعمية خمس واربعين ، وعاش معـانا حوالي عشر سنوات ، وبعدها اتوفى وقبره موجود في المدينه ، وفي اثنينه وصلوا بعده واتوفوا قبل خمس سنوات ، لكن فيه واحد وصل عدنا قبل شهور قليله و ..
قطع ناصر كلامه وهوه يقول :
ناصر : وليش ظلوا معاكم طول ها الفتره ؟ ليش ما رجعوا للسطح مره ثانية ؟!
اتغيرت ملامح الرجل بغته ، وبان عليه بعض التوتر وهوه يقول :
الرجل : لأن قوانين مدينتنا تمنع خروج الدخلاء على المدينة .
انتقل التوتر بشده لناصر وهوه يقول :
ناصر : قوانينكم تمنع العوده ؟ ليش ؟!
انخفض صوت الرجل اكثر وهوه يقول :
الرجل : القوانين هذي سنت لحماية المدينة من الاخطار الخارجيه ، لان الدخلاء لو رجعوا مره ثانيه ممكن ايخبرون اهل السطح باللي شافوه من تقدم كبير في مدينتنا .
انفعل ناصر وهوه يقول :
ناصر : وشو المشكله لو درى أهل الارض بوجودكم ؟
ابتسم الرجل ابتسامه باهته ، وهـرك راسه بهدوء وقال بلهجه حازمه :
الرجل : تسألني شو المشكله ؟! .. قول شو المصيبه اللي بتهـل علينا لو عرف اهل الارض بوجودنا ..اسأل نفسك وجاوب بصدق .. شو بيكون موقف الدول الكبرى لما تدري بوجود مدينه متطوره كل ها التطور وما عندها سلاح واحد ادافع فيها عن نفسها .. شو تتوقع ايسوون ؟
اتبادر لذهن ناصر احتمال مخيف ، لكنه ما قدر ايقوله بوجه الرجل ، فما ما كان من الرجل الا ان اقترب من ناصر وقال بكل ثقـه :
الرجل : من الطبيعي ان الدول الكبرى بتتسابق للفوز بنصيبها من ها الثروه العلميه الرهيبه ، وبجميع الوسائل المشروعه والغير مشروعه ، حتى لو اضطروا لتصفيتنا كلنا وقتلنا بدون رحمــه في سبيل تحقيق مصالحهم .
نكس ناصر براسه للارض في اشارة لتأكيد كلام الرجل اللي تابع كلامه وهوه يقول بشي من الضيق :
الرجل : وانتــه اكيد على علم بالمؤامرة اللي دبرت ضد الفلسطينين .و
ارتفع صوت ناصر فجأه وهوه يقول بعفويه :
ناصر : اكيد اعرف .. لاني فلسطيني ..
عقــد الرجل حواجبه وهوه يقول :
الرجل : حلــو.. حـلو .. يعني انته عشت التجربه بكل مرارتها وقسوتها ، وما يحتاج اقولك ان مصلحة ها الناس فوق كل اعتبار ..
هــز ناصر راسه بتفهم وقال بأسى :
ناصر : هيه .. ادري ...
صمت ناصر ثواني قبل لا ينفعل بصوره مباغته ويقول :
ناصر : بس هذا مو معناه اني اظل معاكم طول عمري ، وبعيد عن ارضي و ..
قطع الرجل كلامه بحزم بقوله :
الرجل : أي ارض اللي تتكلم عنها .. انته تدري بحالك اكثر عني .. لا ارض ولا وطن لك .. يعني العيشه هنيه ارحملك بوايد من العيشه على سطح الارض .. وانا اوعدك انــك اتعيش عدنا معزز ومكرم ، وبعيشة ترف ورفاهية عمرك ما حلمت فيها طول عمرك و .
صرخ ناصر بعفويه من اعماق قلبه وقال :
ناصر : لالا ماقدر .. ما اتخيل اعيش طول عمري تحت الارض .. حتى لو ما كان عندي ارض على ترابها .. و ..
قطع صوت ناصر صوت رنين متواصل في هذي القاعه الكبيره ، ومباشرة التفت الرجل باتجاه احدى الشاشات ، ولحظة ما وقع بصرها عليها ارتسمت صورة احد الاشخاص ، وبدا يتكلم مع الرجل بكلمات سريعه وقلقه والغريبه ان اجهزة الترجمه ما نقلت كلامه ، واول ما انتهى من كلامه التفت الرجل جهة ناصر وهوه يقول :
ناصر : انته عارف شو قالي هذا الشخص اللي كلمني قبل شويه .
هــز ناصر راسه بالنفي وقال بدهشه :
ناصر : لا طبعا !!
عــض الرجل على شفايفه في غضب ثم قال :
الرجل : قمرنا الصناعي الخاص بمراقبة مكان الحفره بأعلى سقف المدينه رصد تحركات غير طبيعية لبشر على سطح الحفره ، ولما ركزنا الصوره فيهم اكتشفنا ان مجموعه صغيره من الناس قاعدين يزرعون مواد ما الها وجود عدنا ، لكنا عارفين طبيعتها زين ، لانا شفا تأثيرا من قبل وهيه مواد قابله للانفجار ..
التفت الرجل جهة الشاشه واللي نقــلت مشاهـد حيه للحفره الخارجيه وحواليها مجموعة صغيره من البشر ، ولما اتكبرت الصوره اكثر ، اكتشف ناصر ان الاشخاص هم صالح بي بالاضافه الى مولود ومعاهم شخص ثالث ، ويظهر مولود في الصوره وهو يضبط
اصابيع الديناميت الحمراء المتفجره على حواف الحفره ، ولحظتها صرخ ناصر بأعلى صوته وقال :
ناصر : شو قاعدين ايسوونه هاالمجانين ؟!!
ابتسم الرجل على الرغم من شدة الموقف وقال :
الرجل : واضح انهم يحاولون تفجير الحفره لاغلاقها نهائيا .. وها الاجراء ممكن يتسبب في انهيار القواعد الرئيسيــة للمدينه اللي ما اكتمل صيانتها بعد .
اخترق سهــم ناري من الخوف بقلب ناصر ، وتبادل مع الرجل نظره قلقه وقال :
ناصر : يعني يبون يدفوننا احياء في باطن الارض ؟
رد عليه الرجل ببروده المعتاد :
الرجل : لا تخاف .. ما يقدرون ..
سأله ناصر بتوتر متزايد :
ناصر : شو بتسوي يعني ؟
جاوبه الرجل بثقه وهوه يضغط على زر صغير في حزامه الصغير :
الرجل : بتشوف الحينه .
مع كلمة الرجل الاخيره ، نقلت الشاشه المشهد اللي يحدث بالخارج ، فمع ضغطة الرجل على الزر ، واثناء ما كان مولود يثبت المتفجرات ، دفعت موجوه عنيفه من الهواء العاصف باجسام مولود وصالح بي ومعاهم الديناميت لامتار بعيده عن الحفره ، ورمتهم على الارض بعنف شديد ، ولحظتها قام صالح بي ومولود والرجل الثالث وهم مذعورين بشده ، وجروا بكل سرعتهم في محاولة للابتعاد بكل طاقتهم عن هذا المكان ، وفعلا .. بعد ثواني قليله اختفوا نهائيا من الشاشه ، وظلت الحفره مثل ما هيه ، وهنيه التفت ناصر جهة الرجل وهوه يقول :
ناصر : شو اللي صار؟! .. شو اللي قذف صالح بي واللي معاه لها المسافه البعيده عن الحفره .
ضحك الرجل بهدوء وقال :
الرجل : ما شي .. احنا شغلنا جهاز الشفط بعكس اتجاهه ، يعني ما يشفط الاجسام للداخل ، صار يدفع الاجسام للخارج عن طريق موجه هوائيه ضاغطه على الاجسام الموجوده خارج الحفره وبهذا ابعدنا الجماعه هاييلا مع المتفجرات اللي عندهم ، وبنفس الوقت خوفناهم ، عشان يخوفون غيرهم ، وما يتجرأ حد ثاني على تكرار فعلتهم .
ابتسم ناصر من اللي اصاب صالح بي واللي معاه ، لكنه ما لبث ان اتغيرت ملامح وجهه بغته بعد ما هاجمه ذكرى الواقع الاليم اللي لازم يتعايش معاه ، وهوه بقاءه الدائم في هذا المدينه ، وهنيه .. شعر ناصر بضيق شديد في صدره ، وحاول وبكل اصرار وتوسل مناقشـة الرجل بالموضوع فقال :
ناصر : لا يمكن .. لا يمكن اعيش طول عمري هنيه .. ما اتصوراعيش الباقي من عمري تحت الارض .
اقترب الرجل منه اكثر ، وحــط عينــه بعين ناصر ، وقال بصوت حاني :
الرجل : انته بتعيش عدنا احسن عيشــه ، بنوفرلك افضل سبل الرفاهية والحياة السعيدة ، ومع مرور الوقت بتتعود على العيشه معانا مثل ما اتعود اللي قبلك و ..
قطع ناصر كلام الرجل وهوه يقول بعصبيه :
ناصر : لا .. ما ابغي اعيش عندكم حتى لو خليتوني حاكم المدينه كلها ..
صمت ناصر ، وهوه يطالع الرجل بنظرة توسل ورجاء ثم قال :
ناصر : صدقني ما اقدر .. ما اقدر ..
بادله الرجل نظره قصيره وبان على الرجل التأثر لحالة ناصر وهوه يقول :
الرجل : انته اللي صدقني .. صدقني مااقدر اخليك تطلع من المدينه .. قوانين المدينه ملزمه على الجميع ، وما عليها أي نقاش .. والشخص اللي وصل عدنا قبل اشهر واللي يحمل نفس جنسيتك قال نفس الكلام ، لكنه مع مرور الوقت اتعود على العيشه هنيه ، والحينه عايش بكل سعاده وفرح ..
انفعل ناصر وهوه يقول :
ناصر : بس انا ما اقدر .. مجرد التفكير بها الاحتمال يرعبني ..
ارتفع صوت الرجل وهوه يقول بكل حزم وصرامه :
الرجل : للاســف ما عندي ولا عندك خيار ثاني غير قبول الامر الواقع.
اتسربت دمعه حزن أليمة من عيون ناصر وقال :
ناصر : يعني بعيش طول عمري هنيــه ..
هـز الرجل راسه في أســى واضح وقال :
الرجل : هيه نعـم .. حياتك الباقيه بتقضيها معنا هنيه .. في مدينتنا الفاضله ( اتلنتيــد ) ..
نكس ناصر براسه في حزن عميق ..
وشعر بغثيان فظيع يهاجم راسه ..
واتراءى لبصيرته واتشكل بخياله صورة قاتمه ومخيفه للحاضر والمستقبل .. القريب منه والبعيد ، واللي بيقضيه بعيد عن سطح الارض اللي حاب العيشه عليها عاش حتى لو ماكان عنده فيها لا أرض .. ولا وطــن ..
***********************************
مضى اكثر من اسبوعين على وجود ناصر بها المدينه ، وبالرغم من سكنه في بيت فخــم جدا ، ومتوفره فيه رفاهيه وترف ما الهم مثيل .. لان كل مرافق البيت تدار آليـــا ، الابواب .. النوافذ .. وحتى مقاعد البيت الفخمه وطاولاتها ، تتحرك ذاتيا ولاي مكان حسب الطلب ...وبالرغم من كل هذا .. ما شعر ناصر بالراحه مع وضعه الجديد هذا ، وحتى الشخص الثاني الساكن معاه ، واللي هوه المدرس السابق اللي اختفى في الحفره و اسمه محمد ، ما قدر يخفف عن ناصر شعوره بالغربــه ، وانعدام الذات ، وكأنــه مدفون بالحيا في باطن الارض ..
وكان شريكه محمــد مــرح جدا وضحكاته واستهزائاته وسخريته ما انقطعت ابدا من ساعه ما اتعرف عليه ناصر في اليوم الاول من اقامته في ها المدينه ، وهذا اللي أثار استغراب ناصر وايد ودهشته من سلوكيات ها الشخص واطباعه ..
وبها اليوم .. وكالعاده .. قـعد ناصر بوجوهه العبوس ، وفي ملامحــه من الكدر والضيق ابلغ ملامـح ، وكالعاده بعــد .. ارتفعت ضحكات زميله محمد وهوه يقول :
محمد : يا ريال ليش متكدر ومتضايق .. خذ الحياه ببساطه .. غيرك يتمنى نص ها العيشه وما محصل ..
اطالعه ناصر بنظره حاره وهوه يقول :
ناصر : يعني عاجبنك العيشه اللي عايشينها هنيه ما محمــد ..
جاوبه محمد بكــل برود :
محمد : وشو فيها عيشتنا .. عايشين احسن عيشه ، والجماعه ما مقصرين معانا ابدا . ناكل احسن اكل ، ونلبس اغلى الثياب ، وساكنين في بيت ما يحلم فيه شخص واحد على سطح الارض ، واتقولين ما عجبتنك العيشه ..
انفعل ناصر اكثر وهوه يتلفت حواليه في ضيق ويقول :
ناصر : كل اللي اشوفه جدامي من رفاهيه ما يساوي عندي حبة رمــل على سطح الارض .. الانسان مكانه هناك .. على سطح الارض .. هناك وطنــه .. هناك ارضه .. خساره انعيش طول حياتنا هنيه .. خساره .. خساره !!
قطع محمد كلام ناصر ، ورفع صوته لاول مره من بداية لقاءهم مع بعض وقال بصوت غير مألوف لمحمد وبنفس الوقت شديد وحازم :
محمد : أي خساره اللي تتكلم ؟! .. احنا طول عمــرنا نخســر .. خســرنا ارضنا ، وخسرنا وطنــا ، وعشنا حياتنا مشردين ومشتتين في الارض ، دوله ترفض وجودنا ، ودوله تقبلنا غصبن عنها ، ودوله تطردنا ، واتقولي خساره !! .. شو بنخسر اكثر من اللي خسرناه على سطح الارض .. وعلى الاقل ..احنا بها المدينه محصلين ارض انعيش عليها ، ناس يحترمونا ويقدرون انسانيتنا ، ويحسون مجرد احساس ان احنــا .. بشر .
تبادل ناصر مع محمد نظره صامته ، ثم قال بصوت خافت :
ناصر : هذي أول مره اتقول كلمة حـق من يوم ما شفتك .
عادت الضحكه مره ثانيه لوجـه محمد وهوه يقول :
محمد : يا ناصر .. لازم ترضى بالواقع عشان تقدر اتعيش الباقي من عمرك مرتاح .. واذا تبى اتعرس انا بكلم المسؤول هنيه وبيزوجــك وحــده فرعونيه حلوه .
ضحك ناصر بعفويه وقال :
ناصر : فرعونيه عاد .. انا بحياتي ما اتصورت ان باخذ وحده فرعونيه !!
ارتفعت ضحكات ناصر ومحمد ، وتابع ناصر كلامه بقوله :
ناصر : الا قولي يا محمد .. الرجل العجوزاللي يتكلم معانا دايما .. شو اسمه .. اتصدق اني ما ما اعرف اسمه لين الحينه !
جاوبه محمد وهوه يبتسم :
محمد : اسمه .. خنفـرع .
عبــس وجه ناصر بغته وهوه يقول بدهشه :
ناصر : خنــفرع !! ما حصل اسم احلى من هذا ؟! ..
ضحك محمد وهوه يقول :
محمد : انا سألته نفس السؤال .. وقلتله .. ابوك ما حصل اسم احلى من هذا عشان ايسميك اياه .. فقال لي ان الاسم هذا اسم كلاسيكي ، يعني من تراث اجدادهم ..
ابتسم ناصر وقال :
ناصر : الجماعه هذيلا اطوروا في كــل شي الا في اسمائهم ..
رد عليه محمد بابتسامه مماثله وقال :
محمد : الظاهر جذيــه ..
اتلفت ناصر حواليه وهوه يقول :
ناصر : محمد .. ما فيه طريقه نقدر نطلع فيها من ها المدينة بدون ما يدرون فينا ؟ يعني ما نقدر نوصل للمكان الموجوده فيها الحفرة مثلا ؟
هــز محمد راسه بالنفي وقال :
محمد : لا طبعا .
شعر ناصر باحباط شديد وهوه يسأل :
ناصر : ليش ؟!
جاوبه محمد بثقــه :
محمد : لان الحفره موجوده بسقف المدينة ، وما تقدر توصلها الا عبر ممرات صناعية خاصه ، وها الممرات ما تنفتح ابدا الا بشفرات سريه ما يعرفها الا خنفرع نفســه والقليل من سكان المدينة .
حـرك ناصر شفايفه في عصبيه وقال :
ناصر : يعني ما شي أمــل .. بنعيش طول عمرنا هنيه !
رد عليه بابتسامه باهته وقال :
محمد : ماشي أمــل .. ارضى بالواقع .. وعيش حياتك مثل ما قدرت لك .
احتقن وجه ناصر من الغصه والقهر ، وهوه موقن تمام اليقين انه بيقضي الباقي من حياته تحت الارض ، وكأنه انكتب عليه انــه يندفن تحتها في حياته وبعد مماتــه .. وما حس بعمره الا بجسمه يرتمي بقوه على الكرسي القريب منــه ، ووضع كفيه على وجهه عشان يغطي حرارة الكدر المشتعله بوجهه .. وظل على صمتـه وحرقته لدقايق طويله ، وما قطع ها اللحظات المؤلمه الا صوت رنين خفيف يتردد صداه بنعومه في ارجاء الغرفه ، ولحظتها رفع ناصر كفيه من على وجه ، والتفت جهة محمد وهوه يسأل :
ناصر : شو ها الصوت ؟
جاوبه محمد بهدوء :
محمد : هذا صوت جرس الباب .
عقد ناصر حواجبه وهوه يسأل :
ناصر : غريبه .. اول مره حد ايزورنا من ساعة ما سكنت هنيه .
حــرك محمد كتوفه وهوه يقول :
محمد : بنشوف منو الزايــر .
مع كلمة محمد الاخيره ، ضغط محمد على زر صغير مثبت بذراع الكرسي القاعد عليه ، ومباشرة ارتسمت صورة شخص على الشاشه الكبيره الموجوده بصالة البيت ، وارتسمت عليها صورة الرجل العجوز خنفرع ، وهنيه ضغط محمد على زر ثاني فانفتح الباب تلقائيا ، ودخل منه الرجل في هدوء والقى سلامه عليهم ثم قال :
الرجل : هاي شباب .. كيف العيشه معاكم اليوم .
جاوبه محمد وهوه يبتسم :
محمد : انا عن نفسي مكيف ومرتاح على الآخــر ، وانتوا ما مقصرين علينا بشي .. لكن الضيف اليديد ما قادر يتكيف مع وضعــه اليديد هنيه .
التفت الرجل جهة ناصر وسأله :
الرجل : ليش يا ناصـر .. احنا مقصرين عليك بشي ؟
تبادل ناصر مع الرجل نظره قصيره ثم قال بصوت خافت :
ناصر : ابدا .. كل شي متوفر عدنا واكثر مما تتصور .. لكني لحد الآن حاس بغربــه شديده في مدينتكم .
ارتفع صوت محمد بغته ، وقال بصوت ضاحك :
محمد : انا قلتله قبل شويه عرس.. عرس وما بتحس بغربــه ابدا .. مرات اتكون الزوجــه هيه الوطــن .
التفت الرجل صوب محمد وقال وهوه يبتسم :
الرجل : وليش لا .. بندورله احلى بنيـه عدنــا وبنزوجه اياه .. وانا متأكد انها بتنسيه الدنيا باللي فيها وما بتخلي فيــه حتى عقل ايفكر فيه .
ضــحك محمد بصوت عالي وقال وهوه يأشر بصبعه على صدره :
محمد : وانــا .. ليش نسيتوني .. انا بعد أبي اعرس .
رد عليه الرجل بضحكه مماثله وقال :
الرجل : انته تامر أمـر .. من باجر بدورلك على احلى عروس و ..
قطع محمد كلامه وهوه يقول بحماس ولهفه :
محمد : انا ما ابغي أي وحده .. أنــا خاطري بوحده مثل كليوباترا في جمالها وعقلها و ..
قاطعه الرجل بقوله:
الرجل : بنحصلك احسن عنها بعــد ، الحريم عدنا كلهم جميلات ومثقفات و..
صمت الرجل لثواني ثم تابع :
الرجل : بس انتبــه .. ترا قوانين مدينتنا تمنع الزواج الثاني .. يعني تاخذ حرمه وحده تلــزق فيك طول حياتــك .
امتعض وجه محمد وكأنه مب راضي بها الشي ، لكنه قال بصوت خافت :
محمد : حتى لو طلقتها او ماتت ؟
جاوبه الرجل بحزم :
الرجل : اذا طلقت الزوجه او ماتت ما يجوز للرجل انه يتزوج بعدها الا بعد مرور ثلاث سنوات على الاقل من تاريخ الطلاق اوالزواج .. وفاءا لذكرى الزوجه الميته واحتراما لمشاعر الزوجه المطلقه ، وهذي المادة مسجله بقانون الاحوال الشخصية في مدينتنا .
انقعدت حواجب محمد وهوه يقول باستنكار :
محمد : شو ها القانون الجاير .. تحكمون على الريال ايعيش بدون حرمه ثلاث سنوات ؟! .. الزوجه ذكراها في القلب والحياه لازم تستمر بعد الطلاق او الوفاة .
اثناء حديث محمد والرجل ، كان ناصر صامت بشده ، وكأنه مايسمع كلامهم ، لأن التفكير بمصيره مازال تاعبنه ، وما قطع تفكيره الا صوت الرجل وهوه يناديه ويقول :
الرجل : هاه ناصر .. شو قلت .. لو تحب من باجر بنزوجك وبتستقر في مدينتنــا ، وصدقني .. اهل مدينتنا كلهم ناس طيبين وعلى قلب واحـد ، وبيعتبرونك اكثر من اخ ، وبتصير منا وفينا لما اتناسبنا واتعيش بوسطنا .
نكس ناصر راسه في استسلا م ، وظل ساكت لفتره ثم رفع راسه وقال بكل يأس :
ناصر : ما عندي خيار ثاني .. اللي اتشوفه مناسب سويه وانــا راضي فيه .
ابتسم الرجل لحظه ثم قال :
الرجل : لاتخاف يا ناصر ..المسأله كلها مسألة وقت لاغير ..كلها شهور وبتتعود علينا و ..
قطع كلام الرجل صوت رنين قوي ومتواصل انتشر في جميع ارجاء الحفره ، وبها اللحظه اتلفت ناصر ومحمد حواليهم في محاوله لمعرفه مصدر هذا الصوت ، وما طال الوقت كثير قبل لا يكتشفون مصدر هذا الصوت لمــا رفع الرجل يـده اليسرى وشاف ساعته اللي كانت تضوي بأنوار براقه ، واول ما وقع بصر الرجل عليها اتغير وجهه وبان عليه العبوس والقلق ، ومباشرة .. ضغط على زر دقيق موجود بالساعه ، ومع ضغطته هذي اتكونت صوره شخص على الشاشه الكبيره الموجود بالصاله ، ولحظتها فتح ناصر عيونه من الدهشه وهوه يقول :
ناصر : كيف قــدر يشغل شاشـة صالتنا ؟
التفتله محمد وقال بسرعه :
محمد : ها الريال ما يصعب عليه شي .. يقدر يتحكم بكل شي بها المدينه ؟
اتركــزت انظار ناصر ومحمد ومعاهم الرجل على شاشة الصاله اللي كان ظاهر عليها صورة ذاك الشخص وهوه يتكلم بانفعال وعصبيه شديده وكأنه قاعد ينقل خبر سيء للرجل العجوز .. والغريبه ان اجهزة الترجمه ما ترجمت كلام ذاك الشخص ، وظل يتكلم مع خنفرع لمدة قصيره قبل لا تنطفي الشاشه مره ثانيه ، وهنيه ارتفع صوت ناصر وهوه يسأل :
ناصر : غريبه .. ليش ما ترجمت اجهزة الترجمه كلامكم ..
اتلفت الرجل حواليه في قلق وقال :
الرجل : لاني فتحت قناة محادثه خاصه مع هذاك الشخص ، فتوقفت اجهزة الترجمه عن العمل ..و
قطع ناصر كلامه وقال :
ناصر : ليش .. شو السالفه . وهذاك الريال ليش زعلان ومتوتر .
كان التوتر واضح جدا على الرجل رغم محاولاته المستميته لاخفاء انفعالاته ، لكنه في النهاية انفجر بصوت عالي وهوه يقول :
الرجل : مصيبه .. كارثــه .
تبادل محمد مع ناصر نظرات حايره وقلقه قبل لا يلتفت الاخير للرجل ويقول بكل فضول :
ناصر : مصيبة شوه ؟!
اتجاهل الرجل سؤال ناصر ، لانه حسم امره واتحرك بكل سرعته لمغادرة البيت ، لكن ناصر ومحمد تبعوه وظلوا يجرون وراه ، ليما دخلوا غرفة التحكم والمراقبة في المدينة ، وكان فيها مجموعة كبيره من الاشخاص القاعدين امام شاشات الكمبيوتر ، وكانوا مرتبكين بطريقه غريبه ومنفعلين بدرجه ملحوظــه ، ولمــح ناصر خنفرع وهوه يتكلم مع واحد منهم ، ومع كل كلمه ينطقها الشخص اللي يتكلم مع خنفرع كان وجـه خنفرع يحتقن اكثر ، ولحظتها ما تحمل ناصر نيران الفضول اللي تسعــر بداخله ، فمسك خنفرع من كتفه وسحبه بحركه عنيفه قبل لا يواجهه وجه لوجه ، ويسأله بكل صرامــه :
ناصر : شو السالفه ؟! .. واي مصيبه اللي تتكلم عنها ؟!
عــض الرجل على شفايفه في غصـه وقال بكل انفعال :
الرجل : مدينتنا يا ناصر .. مدينتنا يا ناصر معرضه للانهيار الكامل وبغضون دقايق .
ارتفعت حواجب ناصر في دهشه قبل لا تنزل مره ثانيه ويقول :
ناصر : المدينة هذا بتنهار !! .. ليش ؟
جاوبه الرجل في حســرة :
الرجل : قبل دقايق قليله .. قامت الولايات المتحده بتجربه تفجير نووي خارق .. وها التفجير سبب موجه ارتجاجيه ضخمة وصاعقه ، ولما اتبع علمائنا خــط سير ها الموجه اكتشفوا انها بتمر وبكل قوه وتركيز على مدينتنا في غضون دقايق قليله .
عــقد ناصر حواجبه من الدهشه وهوه يقول :
ناصر : بس انتوا متعودين على التجارب النوويه من قبل أمريكا وغيرها ، شو اليديد ها المــره .
وضــع الرجل يده على راسه في حسرة وقال :
الرجل : صار اللي كنا خايفين منه من زمان ، لان الامريكان في السابق كانوا يجرون تجارب انشــطار نووي ، يعني يكسرون ويحطمون الذره لتفجير طاقاتها ، لكن ها المره عملوا تجربــة اندمــاج نووي بين ذرات الهيدروجين ، وهاذي التجربه تعادل في قوتها اضعاف قوة الانشطار النووي .. والاندماج اشد بكثير من الانشطار ..
اتساءل ناصر بدهشه :
ناصر : لها الدرجه الانفجــار قوي ؟! ..
هــز الرجل راسه في غصه وقال :
الرجل : اقمارنا الصناعيه التقطت صور التجربه بكل تفاصيلها .. والتجربه هذي اجرتها الولايات المتحده في جزيره في المحيط الهادي يسمونها ( نيو توك أتول ) وكان الانفجار من القوه بحيث سبب انصهار وذوبان الجزيرة بالكامــل ، وبلغت درجة الحرارة في مركز الانفجار مية مليون ( 100 مليون ) درجة مئوية . ** (( تجربــه نووية حقيقية )) **
صمت الرجل للحظه ثم تابع وقال بصوت خافت :
الرجل : والمشكله ان قواعد واساسات مدينتنا المتصدعه ما زالت تحت الصيانه ومحتاجه لسنتين عشان ينتهي العمل فيها و .
مسك ناصر بكتوف الرجل بشده وقال :
ناصر : يعني المدينه كلها مهدده بالانهيار .
نكــس الرجل براسه في حزن وقال :
الرجل : احتمال كبير تنهار المدينه بالكامل ، او أجــزاء كبيره منها على الاقل ، وقدر العلماء احتمالات النجاه لاي شخص في المدينه بواحد في الميه بس .
ارتفع صوت محمد ها المره وقال بصوت خايف مذعور :
محمد : لالا .. ما ابغي اموت هنيه .. ما ابغي اندفن بالحيا وانا بعدني صغير .. طلعوني من هنيه .. طلعوني من هنيه .
التفت ناصر جهة محمد وقال بصوت غاضب :
ناصر : اسكت ياخي .. خلنا انشوف حل مناسب لها الكارثه .
التفت ناصر مره ثانيه صوب الرجل وقال :
ناصر : ومتى بتوصل الموجه الارتجاجيه للمدينة .
جاوبه الرجل بخفوت :
الجرل : بعد حوالي عشرين دقيقه من الحينـه .
ارتفع صوت ناصر وهوه يقول :
ناصر : عشرين دقيقه فتره كافيه جــدا .
عــقد الرجل حواجبه وهو يقول باستنكار :
الرجل : كافيه لشوه بالضبط ؟!
جاوبه ناصر بحماس :
ناصر : عشرين دقيقه كافيه لاخلاء المدينه بالكامل ، وصعودالاهالي لسطح الارض عشان ننقد حياتهم و ..
قطــع الرجل كلامه بكل حزم وقال :
الرجل : مستحيل .. الكلام اللي اتقوله هوه المستحيل بعينه .
فتــح ناصر عيونه باستغراب وقال :
ناصر : مستحيل !! .. ليش مستحيل ؟! .. انته تقصد انه ما شي طريقه للخروج من هذي المدينه للخارج .
اتركزت عيون الرجل بعيون ناصر وقال :
ناصر : فيه طريقه للخروج طبعـا .. لكن شعبنا ما بيرضون ابدا بالخروج من مدينتهم .. اهالي مدينتنا ما يطلعون من مدينتهم حتى لو خسروا حياتهم .. هذا مبدأهم ومستحيل ايحيدون عنه .
انفعل ناصر بشــدة وبان عليه الغضب وهوه يقول :
ناصر : مو من حقــك تحكم على الناس بالاعدام وتقرر وحدك مصيرهم من أجل معتقدات خاصه فيك انته .. لازم اتخبر الناس وتعطيهم فرصه لاتخاذ قرارهم .
التفت الرجل جهة شاشه موجوده بهذي القاعه واللي نقلت صوره مجسمه للمدينه كلها والناس اللي تتحرك في شوارعها ، وهنيه بدا الرجل يتكلم بصوت عالي ، ومكبرات الصوت تنتقل صوته في كل انحاء المدينه وكأنه يوجه نداء لكل افراد الشعب لما قال :
الشعب : يا ابناء شعب اتلنتيد العظيم .. ستتعرض مدينتنا لـهزه عنيفه في غضون دقايق قليله ، وقد تتسبب في انهيار المدينه بالكامل او جزء هائل منها ، ولا تزيد احتمالات نجاتكم عن واحد في المئه فقط .. فمن اراد النجاة بحياته ، سنفتح لـه طريق الخروج الى سطح الارض .
كان الحركه شديده في الشوارع ، لكن بعد نداء الرجل الاخير ، اتوفقت المركبات فجأه ، وبدا الناس يدخلون في العمارات والمساكن بشكل كبير ومكثف ، وبعد دقايق بسيطة خلت المدينه من الماره نهائيا بعد ما دخل كل السكان لمنازلهم ، وكأنه يرحبــون بالموت بداخل بيوتهم .. ولحظتها صرخ ناصر بأعلى صوته وقال :
ناصر : شو اللي قاعد ايصير .. الناس هذيلا اكيد مجانين .
شاركه محمد دهشه وهوه يقول :
محمد :. الا هوه الجنون بعينه وعلمــه .. حـد يرحب بالموت جذيــه ؟!!
وعلى الرغم من شدة الموقف ابتسم الرجل ابتسامه باهته وقال :
الرجل : ليكن في معلومك ، ان شعبنا شعب واعي ومثقف ، وبنفس الوقت حر وعزة نفسه وكرامته فوق كل اعتبار .
بـلغ توتر ناصر مداه لم قال :
ناصر : أي كرامه اللي تتكلم عنها .. تباهم ايموتون واتقول كرامه وحرية .
تبادل الرجل مع ناصر نظره طويله وصارمه قبل لا يقول بلهجه حازمه ممزوجه ببعض السخرية :
الرجل : أي كرامه وحرية اللي بيحصلها شعبنا على سطح الارض ؟؟ .. انته ما سألت نفسك شو بيكون مصير شعبنا على سطح الارض ؟! .. ما بيكونون اكثر من لاجئين سياسين تتقاذفهم الدول على اراضيها .. ويسكنون في مطاراتها لايام طويله .. وبيعشون في خيــم حقيره تفتقر لابسط الحاجات الضروريه للانسان .. وانتي فلسطيني وعارف ها الشي تماما .
نكس ناصر براسه للارض ، وما عرف بشوه يجاوب ، فتابع الرجل كلامه وقال :
الرجل : هذي حياه هذي .. الكرامه والحريه متأصله بدم شعبنا ، وما بيرضون الها بديل حتى لو فقدوا كل حياتهم ، وبعيشون على الامــل مهمن كان ضئيل .. حتى لو كان واحد في الميه فقـط .
رفع ناصر راسه وهوه يقول بحزن :
ناصر : بس هذا انتحار .. انتحار ..
ارتفع صوت محمد ها المره :
محمد : لا تحاول اتفهم ها الريال .. الناس هاييلا عندهم معتقداتهم الخاصه اللي مستحيل يتنازلون عنها ابدا .
اتحرك محمد من مكانه ، ومسك بثياب الرجل وهوه يقول :
الرجل : هذي معتقداتكم وانتوا حرين فيها .. بس مو من حقك انموت معاكم ، واحنا مب من مدينتكم .
اتردد الرجل لثواني قبل لا يقول بقلق :
الرجل : في هذي معاك حق .. مالكم ذنب تتحملون الموت في سبيل وطن غير وطنكــم .
نكس الرجل براسه للارض ، وطلع من جيبه جهاز صغير اشبه بشاشه مسطحه ، وضغط عليها فتألقت بانوار باهره وقال:
الرجل : هذي اول مره انخالف فيها قوانين مدينتنا ، وبنسمح لانسان بمغادرتها ، لان الضروره القصوى اتحتم علينا ها الشي .
مــد الرجل يده اليمنى باتجاه ناصر وقال وهوه يناوله الجهاز :
الرجل : الجهاز هذا مرسومه على خرايطة الممر اللي يوصلكم للحفره اللي ييتوا منها ، واذا صادفتكم ابواب مغلقه ، يكفي انك تضغط على الشاشه لتنفتحلك كل الابواب المغلقه ..
اقترب الرجل من ناصر اكثر ، واطالعه بنظره حزينه قبل لا تسيل دمعه حاره اليمه من عينه ويقول بصوت خافت :
الرجل : اتمنى يا اخ ناصــر انكم اتحافظون على سر وجودنا هنيه .. سواء اعشنا او متنــا .. اذا حيينا حيينا بأمان ، واذا متنا متنا بسلام .
نزلت دمعـه ثانيه من عيون ناصــر ، ومسك الرجل من كتوفه ، وحضنه بحراره وقال وهوه بوسط احضانـه :
ناصر : اوعدك اخوي ان سركم يظل محفور بقلبي للابد ، واتمنى من كل قلبي نجاتكم من محنتكم هذي .
نسى ناصر نفسه ، وظل ملتصق بالرجل لفتره ، ليما شعر بيد محمد وهوه يسبحه بكل قوه ويقول :
محمد : ما شي وقت للسلامات الحينه .. ما شي وقت .. باقي عشر دقايق بس .
التفت ناصر باتجاه محمد ، واكتفى بهزه صغيره من راسه ، ورجع ببصره صوب الرجل ، وظل يطالعه بنظره حزينه ، وكأنه رافض الحركه والتخلي عن هذا الرجل ، فما لقى محمد لحظتها غير انه يسحب ناصر من يده بقوه ويقول بكل عصبيه :
محمد : ياالله .. ما شي وقت .. المدينة بتنهار ، المسافه طويله لين سقف المدينه والوقت يا الله ايكفينا .
اتحرك ناصر ببطء وبصره متعلق ببصر الرجل قبل لا يسمع صوت محمد يناديه بعنف :
محمد : يا الله يا الله ..
ركض ناصر وهوه يطالع الشاشه ويتحرك على مسارها وخلفه محمد اللي استمر في صراخه وهوه يحث ناصر على التسريع في خطاه :
محمد : اسرع ياناصر اسرع .
التفتله ناصر وهوه يركض ويقول :
ناصر : شو فيك طاير جذيه ؟ المسافه مب بعيده .
جاوبه محمد بعصبيه :
محمد : انته شو اتقول ! .. جدامنا ممرات كثيره وبعدها مغارة الحفره ، يعني ما شي وقت .. ألحــق ما تحلق يا ناصر .. ألــحق ما تلحق ..
زاد ناصر من سرعته ، بعد ما ادرك خطورة الموقف ، وكانت الابواب تنفتح مع كل ضغطة لناصر على الخريطه ، والزمن قاعد يأكل الثواني بشراهه شديده ..
استمرت حركتهم في الممرات الصناعية الضيقه ، ليما وصلوا لنهايتها ، ودخلوا للمغاره الموجوده بأعماق الحفرة ، لكنهم لاحظوا ان فيها اتجاهين ..لليمين واليسار ، ولحظتها احتار ناصر وقال بانفعال شديد :
ناصر : وين انسير يمين ولا يسار ، ها الشي مب مرسوم على الخريطه .
جاوبه محمد بخوف :
محمد : ما شي وقت للتفكير ، باقي دقيقتين بس ، خلنا ناخذ جهة اليمين واللي يصير يصير ..
ما فكر ناصر بكلام محمد ، وانطلق فعلا جهة اليمين ، وبعد مرور اكثر من دقيقه من الجري المهلك ، بانت الهم فوهة المغاره ، وركضوا بكل سرعتهم باتجاه سطحها ، لكن قبل وصولهم لسقف الحفره ، سمعوا دوي انفجار هائل ، وصوت هــده عظيمه من خلفهم ، وما وعوا الا بموجه ضغط عنيفه ، رفعتهم من على الارض وطارت فيها بالهواء ، وقذفتهــم بعنف وقسوة لخارج الحفره ، وهوت فيهم على سطح الارض من الخارج ، وشعر ناصر لحظتها بألم فظيع ، وماحس بعمره الا وهوه فاقد الوعي نهائيا ..*****************************************
فتح ناصر عيونه بصعوبة ، ليقــع بصره على وجــه صالح بي اللي كان يطالعه بعيون حايره .. وبعدما استعاد ناصر بعض عافيته ، اتلفت يمين ويسار وهوه يسأل :
ناصر : انا وين ؟!
جاوبه صالح بي بحماس :
صالح : الحمدالله على سلامتك يا شيخ ناصر ..انته موجود بغرفتك بالمدرسة .
اتلفت ناصر حواليه وكأنه يدور على شي معين ، ولما لاحظ صالح بي هذا قال :
صالح بي : انته اكيد ادور على الشيخ محمد .. صح .
بحــلق ناصر بوجه ناصر ثم هــز راسه بايجاب وقال :
ناصر : هيه .. وينه ؟!
جاوبه صالح بي بلهجه مطمئنه :
صالح بي : لا تخاف الشيخ محمد استعاد وعيه قبلك وهوه الحين موجود بـرع .
صمـت صالح بي للحظه ثم تابع كلامه :
صالح بي : البارحه حسينا بهزه ارضيه ، وسمعنا صوت عالي من جهة الحفره ، واول ما وصلنا هناك ، شفناك انته والشيخ محمد متمددين على الارض ومغمى عليكم ، والحفره كانت مسكره ومغلقه بالكامل ، وكأنها ما انفتحــت من قبل .. شواللي صار بالضبط .. وشـو اللي شفتوه بداخل الحفـرة ؟!
صمت ناصر ، وظل يطالع صالح بي بصمت ثم قال بحذر :
ناصر : وشو قالك محمد ؟!
حــرك صالح بي كتوفه وقال :
صالح بي : قال لي كلام مب مقنع ابدا ابدا .. قال لي ان الحفره فيها اشباح وجــن عايشين بقاع الارض ، وانهم يسجنون الناس بداخل ها الحفره ، وانك انته وهوه نجحتوا بالهرب منهم .. بس اللي محيرني .. كيف انسدت الحفره بعد ما طلعتوا منها؟!
ابتسم ناصر من غرابة تفسير محمد لكنه قال بلهجه خبيثه :
ناصر : حصلنا ديناميت بالحفرة وفجرناها قبل طلوعنا منها .
بحلق صالح بي في وجه ناصر ، وحاول انه يسأله سؤال ثاني ، لكنه سكت بعد ما ايقن بقرارة نفسه ، ان ناصر ومحمد ما يبونه يكتشف هذا السر ، وهنيه حاول صالح بي تغيير الموضوع وقال :
صالح بي : خلونا في المهم الحينه .. المدرسه ظلت اسبوعين بدون مدرس والطلبه اتضرروا وايد .. وانتوا والحمدالله رجعتوا .. بدل المدرس اثنينه ، وانا صراحة كلمت الشيخ محمد عشان يبقى لكنه اصــر على المغادرة من القرية و..
انقطعت رمسة صالح بي لحظة ما دخل محمد الغرفه واللي قال بصوت باسم :
محمد : كأنكم تتكلمون عني ؟
التفت صالح بي جهة محمد وقال :
صالح بي : كنا نتكلم عن نيتك الاكيده بمغادرة قريتنا ، ورغم ان ها الشي يحزنا كثير لكن اكيد بنحترم رغبتك هذي وبنتمنالك التوفيق في مكانج الجديد .
قام ناصر من فراشه وهوه يقول :
ناصر : روح يا محمد .. انا بكمل ها السنه مع الطلبه مثل ما بدأتها معاهم .
ابتسم محمد وهوه يوجه كلامه لصالح بي :
محمد : صدقيني يا صالح بي .. ما بنسى الايام الحلوه اللي قضيتها معاكم في قريتكم هذي .
نغــزه ناصر بجمله خاطفه :
ناصر : في المدينة ولا تحتهــا ؟!
جاوبه محمد وهوه يضحك :
محمد : في كل مكان فيها .
وقف صالح في مكانه وقال :
صالح بي : ومتى ناوي اتغادرنا .
جاوبه محمد :
محمد : باجر الصبح ان شاء الله .
ابتسم صالح بي وهوه يقول :
صالح بي : بالتوفيق ان شاء الله .
اتبادل الثلاثه مجموعة من النظرات الباسمة ، قبل لا يروح محمد لتجهيز اغراضه للرحيل من القريــه ..
القريه اللي قضى فيها اغرب سنوات عمره..
الاغرب على الاطلاق .
في اليوم الثاني وقف ناصر مع محمد على الشارع الرئيسي وهــم ينتظرون السياره اللي بتنقل محمد لمدينة ( غريان ) .. واندمجوا في حديث باسم مشوب بلهجات وداع حزينه ، ومن بين ما قالوا :
ناصر : والله بنشتاقلك وايد يا محمد .
ابتسم محمد وهوه يقول :
محمد : الشوق لك اكبر يا ناصر .. وان شاء الله بنتلاقى بأقرب فرصة .
ارتفع صوت ناصر وهوه يقول بحزم :
ناصر : بس هااه يامحمد .. لا تنسى اتحافظ على السر .. سر المدينة الضائعه .. مهمن كانت الاسباب .. انته وعدتني .
هــز محمد راسه بايجاب وقال :
محمد : لا تخاف .. السر هذا بالذات مستحيل اقوله لحــد .. واصلا مو من مصلحتي ولا مصلحتك ان الخبر بالذات هذا ينتشر .
اندهش ناصر من كلامه وسأل :
ناصر : ليش ؟
جاوبه محمد بسخريه واضحه :
محمد : انته نسيت ان احنا مدرسين تاريخ .. وكل المناهج اتقول ان الفراعنه موجودين في مصر .. فلو عرف الناس ان الفراعنه موجودين في ليبيا بعــد ..بيضيفون وحده جديده للمنهج تتكلم عن الفراعنه في ليبيا ، وبالتالي ..بنضطر اندرس منهج جديد في السنوات اليايه ، وبيزيد عبء التدريس علينا .. فهمت .
ضحك ناصر وقال :
ناصر : انته ما تيوز عن سوالفك هذي ابد .
شاركه محمد ضحكته ، وظلوا يسولفون ويضحكون ليما وصلت السيارة ، وقبل لا يركب محمد السياره في طريقه للمدينة ، احتضن محمد الاستاذ ناصر في وداع حار وباكي ، واستمر الاحتضان للحظات طويله ..
وبعدها ..
انطلق محمد في طريقه للمدينة .. للبدء في حياة جديده ، ونسى او اتناسى حياة المدينة الارضيه ، وطرد شبحها كليا من حياته ، وعاش بعدها سنوات كثيره قبل لا يتوفى بعد عشرين سنه من ذاك اليوم ، بعد صراع قصير مع مرض السرطان لم يمهله طويلا ..ليغادر الدنيا ومعاه سـر المدينه الضائعه.
بينما الاستاذ ناصر ..
استمــر في عمله في القريه لمدة عام واحد ، عاد بعدها للمدينة الرئيسه بعدما اتبادل مع مدرس ثاني العمل في نفس القرية ..
وظل ناصر في ليبيا لغاية عام الف وتسعميه واثنين وثمانين ، وغادر بعدها للقاهره بعد ما سمع عن عقود العمل بدولة الامارات ، وفعلا حصل على عقــد بدولة الامارات ، وراح لها ، وهوه الآن موجود فيها لغـاية اليوم .. يدرس جيل بعد جيل ..
اسرار كثيره وبعيده في التاريخ .
.لكن.. بدون ما يشير نهائيا لأخــطر سر اكتشفه في تاريخه وحياته ..
سر المدينة الفرعونيه الضائعه ( اتلنتيد ) ..
##########################################
بعد ما انتهى الاستاد ناصر من رواية قصته .. ظليت صامت لفتره طويله وانا افكر بكل كلمه قالها الاستاذ في روايته لقصته الغريبه هذي .. وفي النهاية نطقت ببعض الكلمات وبصوت حذر وخافت وقلت :
- صراحه .. قصتك هذي عجيبه وغريبه .. وصعب جدا لاي انسان انه يصدقها .
ابتسم الاستاد ناصر وهو يسأل :
ناصر : يعني انته ما مصدقنــي ؟!
هزيت راسي بالنفي وانا اقول بصدق :
- لالا انا مصدقنك طبعا .. لكني قصدت انــك لو رويت ها القصه للناس على شكل واســع .. محد بيصدقك ، خصوصا انــه ما عندك دليل فعلي على صدق كلامك بعد ما اندفنت هذيك الحفره نهائيــا في باطن الارض .
اطالعني الاستاد ناصر بنظره طويله وصامته ، وبــان عليه التردد قبل لايتحرك باتجاه خــزنه صغيره موجوده بطرف المجلس ، ويطلع من جيبه حزمـة مفاتيح صغيره ، وفـتـح الخزنه ، ثم فتــح درج صغير موجود بداخل الخزنــه نفسها ، ولما فتح الدرج طلع منــه صندوق خشبي صغيره اللي كان محتاج بعد لمفتاح صغير ، وكأن الشي الموجود بداخل الصندوق مهــم جدا جدا ..
كانت عيوني ترقبــه بفضول شديد وهوه يطلع ذاك الجهازالغريب والرقيق من الصندوق الصغير ، واول ما طلعه من الصندوق اتجــه مباشره صوبي ، وناولني ذاك الجهازالرقيق جدا وهوه يقول بحزم وثقــه :
- هذا هوه الدليل على صــدق كلامي .
وبعد نظره خاطفه مني على ذاك الجهاز الصغير واللي ما حسيت بوزنه من كثر خفته ورقته ، سألته :
- شو هذا ؟؟
جاوبني بســرعة والابتسامه مرسومه على خده :
- الجهاز او الشاشه هذي ، هيه الخريطه الالكترونيه اللي عطانا اياها ذاك الريال عشان نطلع بها من المدينة ، وانـا وضعت الجهاز بجيبي قبل الانفجــار ، واحتفظت فيها بالسر طول ها السنين .. وعلى فكــره ترا الجهاز هذا مازال شغال بعد كل ها السنين ، وهو يشتغل بالخلايــا الشمسية الدقيقه .
القيت نظره متفحه ودقيقه على الجهاز اللي بين ايدي ، وكان عجيب وغريب فعــلا ..
كان الجهاز عباره عن شاشه رقيقه جدا ، وكانت الشاشه من الرقه والدقه لدرجة اني حسيت وكأني ماسـك محرمــه ورقية ( كلينكس ) من شدة رقتها ، وبنفس الوقت كانت صلبه .. مــا تلتــوي ولا تنحنــي !!
وبعد لحظات طويله من التفحص ، مديت يدي على الشاشه ولمستها باطراف اصابعي ، وانبهرت لما اضاءت الشاشه بأضواء لؤلؤيــه ساحره ، واتكونت على الشاشه خريـطة مفصــله للمدينة الارضيــه ، وبكل ممراتها واحيائها ، وبعد لحظات ثانيه من الدهشه ، ضغطت على الشاشه مره ثانيه فاتكونت عليها صورة طبيعية وواضحه جدا لمجموعة من العمارات في المدينه ، وبدت الصور تتحرك تلقائيا وبصوره متتابعه وهيه تنقل معالم المدينه .. بنايات .. شوارع .. مركبــات .. اضواء ..
شي مذهــل ولا بالاحلام ..وهنيه.. ما اتمالكت نفسي وانا اهتــف بكل دهشه وعجب :
- رهيــب !! ها الجهاز رهيب ..رهيب !!
اقترب الاستاذ ناصر مني ، ومــد يده ومسك كتفي وقال :
ناصر : ها الجهاز كان دليل كافي جدا على صدق كلامي .. لكني ما خبرت حد عنه ، ولا فيه حد شافه غيـرك ، لاني وعدت الريال بهذا ، بس ما ادري صراحة ليش خبرتك .. يمكن لاني واثق انــك ما بتقول لحــد او لاني حبيت حد يشاركني بحمــل ســر الماضي البعيد ، واللي انطوى نهائيا من صفحة حياتي ، وما بغي شي يذكرني فيه ، وعشان جذيه انا بهديك الجهازهذا وانا متأكد انــك بتحفظ هذا السر بقلبك واتخلصني من هــم التفكير فيــه نهائيا ..
اندهشت من كلام الاستاذ ناصر ورغبته في اعطاء الجهاز الاعجوبه لي ، وكأنه يبى هــم كبير في حياته ، وهميت اني اتكلم لولا اني سمعت صوت رنـه خفيفه صادره من الجهاز نفسه ، وهنيه عاد بصري مره ثانيه للجهاز فوقع بصري على ضوء اصفر خفيف يضوي من الجهاز على فترات متقطعه ، ولحظتها سألت الاستاذ ناصر :
- شو ها الضوء الاصفــر ؟!
عقــد الاستاذ ناصر حواجبه وهوه يقول :
الاستاذ : اتصدق ما ادري .. هذا الضوء بالذات وصلني لاول مره بعد سنة كامله من طلوعنا من الحفره هذيك ، وما عرفت شو تفسيره ، وكل ما اشغل الجهاز اسمع الرنــة وها الضوء الاصفــر ، وحاولت اعرف سـرالضوء هذا لكني ما قدرت .. حاولت بكل السبل .. ضغط على الشاشه اكثر من مره .. لكن.. ما شي فايده .. ما احصل على أي نتيجه ..
مسكت الشاشه وقمت اقلــب فيها بكل الاتجاهات عشان ادور على أي ازرار خفيه فيها ، لكني ما حصلت ، الشاشه تعمل باللمس على ما يبدو ، لكن.. وبالصدفه.. لمحت على حواف الشاشة نقطة سوداء صغيره ودقيقه ، استغربت من وجود النقطة السواداء على حافة الشاشه العلويه وفي الزوايه بالضبط .. وبحركه عفويه امتدت يدي وضغطت على النقطه السوداء بحذر ، ومع ضغطت صبعي على النقطه انطفأ الضوء الاصفر ، وارتسمت على الشاشه عباره قصيره مكتوبه باللغه العربيه وكانت اتقول ( تلقيت رساله الكترونيه .. اضغط على زر القراءه مرة اخرى ) ..
التفت براسي جهة الاستاذ ناصر اللي كان يطالع الشاشه بدهشه وفضول ، بعد ما انتبــه اخيرا لوجود هذا الزر الصغير واللي شاء القدر انه ما ينتبهله طول ها السنين ، وبعد ثواني من الترقب ضغطت مره ثانيه على الزر الصغير ، وانتظرت ثواني قليله قبل لا تتراقص الحروف على الشاشه وتنطبع عليها الكلمات المتألقة اللي اتقول :
)( من أرض ( اتلنتيد ) الى ضيفنــا السابـق.. ناصــر .. نحن لا نعلــم بمكان وجودك الآن ، ولا ندري هل احتفظت بخريطة مدينتنا ام لا .. ولكن .. اذا وصلتك رسالتنا هذه فاعلم ان مدينتنا الغالية وبنفس اللحظة التي غادرتنا بها ، تعرضت لهـزه ضخمـة عظيمة وانهارعلى إثرها جزء هائل من اراضيها ومبانيها ، ولقي العديد من اهلنا الكرام الشجعان حتفهم تحت انقاضها ، ولكن .. بقي عدد معقول من أهــل مدينتنا الذين عقدوا العزم والارادة على اعادة بنائها مرة أخرى ، وفعلا .. لقد استطعنا .. وبفترة وجيزه جدا ، اعادة اجزاء كبيره منها ، وسنعيدها كما كانت وافضــل ، وسننعم بالحريــة والامــن في ربوع مدينتنا الحبيبه ، وسنذكر دائمــا اهلنا الابطال الذين قضوا تحت ترابها .. اهلنا الذين فضلوا شـرف الموت على ذل الحياة ، وبفضل تضحيتهم السامية، ودمائهــم الطاهــرة ، كتبت الحياه والحريـة للاجيال القادمه من ابناء شعبنا الحــر الأبـي .. شعبنا الذي لا يرضى بالعيش الا حـرا عــزيزا .. ومن رضي بالعيش مذلولا مهانا مات في اليوم الف ميته وان كان حيـا .
وفي الختــام .. نحن على ثقة تامــه بانــك ستحفــظ سر وجودنــا ، ولن نشكل في مخيلتك وعقلك وذاكرتك الا سرا بعيدا غائرا من الاسرار .. اسرار الماضي (( ..
ران الصمــت الرهيب بعد قراءتنا لكلمات هذي الرساله ، واتلقت عقولنا وقولبنا رساله خاصه جدا اردا ذاك الشخص الموجود تحت الارض نقلها النــا .. رساله الها معاني عظيمــة ..
وما لقيت ساعتها الا اني اشكر استاذي العزيز على استضافته الجميله لي ، وغادرت شقتــه ومعاي الجهاز بعدما قررت اني ادفن ســره بأغوار روحي .. و فعلا ..احتفظت بالجهاز في مكان بعيد عن كل العيون ..
لكني ما قدرت احمي وجود هذا السر بقلبي الا ايام قليله ..
وقلت بنفسي : لازم اخبر اعضاء مجلس القصص بمنتدى الم الامارات بكل تفاصيل هذي القصة ، عشان ياخذون العبــره من الماضي .. واسراره ..